إجراءات أمنية ليبية مشددة على الحدود مع تونس
تونس – الحبيب الاسود: تشهد الحدود المشتركة بين ليبيا وتونس حالة طوارئ غير معلنة نتيجة أزمة المهاجرين غير النظاميين العالقين في المنطقة العسكرية العازلة والتي أصبحت تشغل اهتمام سلطات طرابلس بشكل كبير، وهو ما أعرب عنه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الذي دعا الى « ضرورة التعامل الإنساني مع المهاجرين مع الالتزام بعدم تسربهم إلى الدولة الليبية»، وفق تعبيره، مشددا على أهمية التنسيق مع تونس لإعادتهم لدولهم، على أن تتكفل بلاده ليبيا بكافة الإجراءات اللوجيستية اللّازمة.
وتؤكد أوساط سياسية وأمنية مطلعة من داخل العاصمة طرابلس على أن حكومة الوحدة المنتهية ولايتها، تشعر بحرج كبير أمام المجتمع الدولي بسبب سجلها السابق في علاقة بممارسات الجماعات المسلحة وبعض المؤسسات الحكومية ضد المهاجرين غير الشرعيين، وتسعى الى تلميع صورتها بإظهار لمسات إنسانية في التعامل مع العالقين في المنطقة الحدودية مع تونس، وقد تم توجيه أوامر جدية بضرورة إبداء اللياقة والمرونة في انقاذ الحالات الإنسانية المستعجلة، لكن الممارسات الفعلية ترتكز فقط على تجريم الجانب التونسي وإظهاره في صورة المتهم الأول بانتهاك حقوق الإنسان والإساءة الى المهاجرين المتحدرين من دول غرب افريقيا.
وقامت الداخلية الليبية بتعزيز قواتها على الحدود مع تونس، وبإعداد خطة أمنية مدعومة من قبل وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، تهدف الى تشديد الرقابة على مسافة 260 كلم الرابطة بين معبري راس اجدير ووازن الحدوديين.
وقال المتحدث باسم اللواء 19 لحرس حدود، علي والي، إنهم كثفوا الجهود لمنع دخول المهاجرين عبر الحدود وإحكام السيطرة على الخط الحدودي بالكامل، وأنهم شكلوا غرفة مشتركة مع أجهزة وزارة الداخلية للتعامل مع أزمة المهاجرين غير النظاميين في المنطقة الحدودية مع تونس.
وأكد والي أنه لا وجود لأي تواصل مع الجانب التونسي الذي يستمر في إدخال المهاجرين، مشيرا إلى تسليم الأطفال والنساء إلى الجهات المختصة حيث تقدم لهم جميع الخدمات، وفق قوله.
وكانت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الموقتة، أعلنت تسيير دوريات أمنية صحراوية لمنع المهاجرين غير الشرعيين القادمين من تونس من الدخول إلى الأراضي الليبية.
وقالت الوزارة إن قاطع «العسة» الأمني الحدودي التابع لجهاز حرس الحدود قام بتسيير دوريات أمنية صحراوية مجهزة لمنع المهاجرين غير الشرعيين القادمين من تونس من الدخول إلى الأراضي الليبية، واتخاذ الإجراءات كافة حتى لا تحدث أي خروقات أمنية، وأشارت إلى إنشاء تمركزات أمنية فجائية بالقرب من النقاط الحدودية على طول الشريط الحدودي من معبر رأس اجدير إلى معبر وازن، وذلك تنفيذا لخطتها الرامية إلى تأمين وحماية الحدود الليبية التونسية، وتنفيذا لتعليمات رئيس جهاز حرس الحدود.
وينشط عدد من منظمات المجتمع المدني لتوفير الحاجيات الضرورية للمهاجرين العالقين على الحدود الليبية التونسية وخاصة الماء والغذاء والدواء في ظل ارتفع غير مسبوق لدرجة الحرارة، وكذلك لفتح جسور التواصل مع الجهات الحكومية والأممية بهدف العمل على إتاحة الفرصة لإعادة بعض أولئك المهاجرين الى بلدانهم وخاصة دول غرب افريقيا ومن بينها بوركينا فاسو وغينيا وساحل العاج ومالي والسنغال وغامبيا.
وكشفت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، أن رئيس جهاز حرس الحدود وجّه بتكثيف عمل الدوريات الأمنية التابعة للقاطع الأمني الحدودي العسة لمنع تدفق ودخول المهاجرين الذين يجري طردهم من قبل السلطات التونسية، وإجبارهم للدخول للأراضي الليبية، وقالت في بيان فها، الأحد الماضي، إن المخاوف الحقوقية تتزايد ومخاوف المهتمين بملف الهجرة غير النظامية، من سقوط ضحايا أكثر بين المهاجرين العالقين بين البلدين من بداية الشهر الحالي.
وأكدت الوزارة الداخلية على أن تكثيف هذه الدوريات الأمنية يستهدف “منع تدفق ودخول المهاجرين الذين يتم طردهم من قبل السلطات التونسية”، وتابعت، انه على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة التي تشهدها البلاد وأثناء تمشيط الدوريات للمنطقة الممتدة بين نقطتي (ظهرة الخص) و(طويل طاهر) عثرت على ست جثث تم انتشالها بحضور أعضاء النيابة العامة برفقة فريق الإسعاف والطوارئ والدعم التابع لوزارة الصحة.
وسبق أن عثرت إحدى الدوريات الأمنية التابعة للقاطع الحدودي (العسة) الأسبوع الماضي، على خمس جثث مجهولة الهوية جنوب الصحراء، تعود لمهاجرين غير نظاميين من جنسيات أفريقية “بالقرب من خط التماس مع تونس بعد أن تقطعت بهم السبل، بحسب السلطات الأمنية الليبية،
وفي الأثناء ، أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، عن قلقهما العميق بشأن أوضاع مئات المهاجرين العالقين في المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر، وقالت في بيان لها، أن مئات المهاجرين عالقون في ظروف مزرية وتابعت أنهم موجودون في مناطق نائية وغير مأهولة بالقرب من الحدود الليبية والجزائرية لتونس، مردفة أن “بين الذين تقطعت بهم السبل حوامل وأطفال، إنهم محاصرون في الصحراء ويواجهون حرارة شديدة ولا يمكنهم الحصول على مأوى وطعام وماء”.
وشدد البيان على وجوب إنهاء مأساة أولئك المهاجرين وإنقاذ أرواحهم ونقلهم إلى مكان آمن، وأشاد بجهود الهلال الأحمر التونسي والليبي في إيصال المساعدات الإنسانية إلى مئات الأشخاص في المناطق الحدودية.
وينتظر أن ينعقد اجتماع ليبي تونسي مشترك على مستوى وزيري الداخلية في البلدين لتدارس الوضع على الحدود المشتركة والتوافق على حل مناسب لأزمة المهاجرين غير النظاميين التي فرضت حالة طوارئ غير معلنة تطبقها السلطات الليبية منذ أسبوعين لتلافي تفاقم الوضع على حدودها الغربية.
ويسعى الدبيبة الى الاستفادة من ملف الهجرة غير النظامية في الترويج لصورته لمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية، وكذلك لرئيس لا يغادر السلطة الانتقالية التي جاء إليها عبر توافق ليبي ليبي من خلال ملتقى الحوار السياسي في فبراير 2021، وتعمل حكومته على التشدد في رفض استقبال المهاجرين العالقين، وفي تنظيم رحلات جوية لإجلاء مهاجرين مقيمين في مراكز الاحتجاز بغرب البلاد.
وشدد الدبيبة على أن رؤية ليبيا لا تتضمن أي اقتراح لتوطين المهاجرين في مناطق العبور، لافتا الى إن “بلاده ستطالب بحق ليبيا في الحصول على الدعم الدولي في ملف الهجرة أمنيا وسياسيا وماديا” ،وأوضح ، إن بلاده لن تكون بلد توطين للمهاجرين غير النظاميين، داعيا في الوقت ذاته إلى التعامل الإنساني معهم والتنسيق مع تونس لإرجاعهم إلى دولهم، مشددا على ضرورة توحيد الجهود الوطنية تجاه ملف الهجرة في كافة التفاصيل المتعلقة به.
وبالمقابل ،دعت جمعية الهلال الأحمر الليبي إلى المسارعة في إنقاذ 400 مهاجر، ينتمون إلى دول أفريقية عدة، وهم عالقون على الحدود مع تونس، وقالت إنها مستمرة في تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة للمهاجرين على الحدود الليبية – التونسية، بمن في ذلك النساء ذوات الحالات الصحية الحرجة، والأطفال الرضع والرجال الذين يحتاجون إلى المساعدة الفورية.
وقالت جمعية الهلال الأحمر، إنها وفرّت للمهاجرين، بمساعدة من مكتب الـ«يونيسف» في ليبيا، الطعام والشراب، كما وزعت مستلزمات النظافة لتلبية الاحتياجات الفورية على قرابة 400 مهاجر، لافتة إلى أنه جرى تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة «المنقذة للحياة» في المنطقة الحدودية ذاتها.
وأكد الجمعية أنها «تعمل على تكثيف جهودها مع هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحكومية، للتخفيف من معاناة المهاجرين على الحدود الليبية – التونسية بأسرع ما يمكن، وتدعو الجميع للمساعدة في ذلك» ، فيما يرى مراقبون محليون، أن سلطات طرابلس تحاول تحميل الجانب التونسي المسؤولية كاملة على وضعية المهاجرين العالقين على الحدود المشتركة والذين كان أغلبهم قد تسلل من الأراضي الليبية الى الأراضي التونسية سواء عن طريق البر أو البحر.
ويشير المراقبون الى أن ملف الهجرة غير الشرعية باب يسيطر على الرأي العام في ليبيا بشكل غير مسبوق حيث تحول الى قضية ذات أولوية ، خصوصا مع وجود حساسية اجتماعية من امكانية تحويل البلاد الى مأوى للمهاجرين المطرودين من أوروبا في سياقات الجدل المتواصل بين حكومات ضفتي المتوسط.