احتجاز وزير سابق يربك المشهد السياسي وحركة انتاج النفط في ليبيا

طرابلس: شهدت ليبيا خلل الاسبوع الماضي أحداثا مربكة للمشهد السياسي العام، بعد اقدام مسلحين على احتجاز وزير المالية السابق في حكومة الوفاق. والمرشح لمنصب محافظ المصرف المركزي. فرج بومطاري، عند وصوله الثلاثاء الفائت الى مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس (غرب) قادما من مدينة بنغازي (شرق)، وما تبع ذلك من اقدام محتجين قبليين على إغلاق حقلي الشرارة والفيل النفطيين الواقعين في حوض مرزق بإقليم فزان، والذين يبلغ إنتاجهما معا حوالي 420 ألف برميل يوميا أي حوالي ثلث انتاج البلاد اليومي من النفط.
وبحسب مراقبين، فإن الأوضاع السياسية في ليبيا تتجه نحو المزيد من التعقيد نتيجة الصراع القائم على السلطة والخلافات المحتدمة حول تقاسم عائدات النفط والغاز ودعوة مجلسي النواب والدولة الى تشكيل حكومة مصغرة تتولى إدارة شؤون البلاد قبيل وخلال فترة تنظيم الانتخابات المرتقبة.
وردت أوساط مطلعة احتجاز بومطاري الى المواجهة المفتوحة حول منصب مصرف ليبيا المركزي وترشحه لخلافة المحافظ الحالي الصدّيق الكبير ، فيما أدى الخلاف حول تشكيل حكومة جديدة الى إقدام سلطات طرابلس على منع عدد من أعضاء مجلس الدولة من السفر وحجز جوازاتهم للحؤول دون عقد اجتماعات مع أعضاء من مجلس النواب في خارج للبلاد للتوافق حول ترتيبات المرحلة القادم.
ولا تزال الاتصالات تجرى على أكثر من صعيد بين قوى داخلية وخارجية بهدف حث مختلف الفرقاء على تجاوز الخلافات الحادة والتخلي عن كل ما من شأنه أن يؤدي الى المزيد من توتر الأوضاع واستفحال الأزمة، وعلى عدم الاستقواء بالسلطة المادية والمعنوية في التنافس على النفوذ.
وحمّل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح حكومة الوحدة مسؤولية الحادثتين، داعيا النائب العام الى اتخاذ الإجراءات العاجلة تجاه احتجاز بومطاري واقتياده إلى جهة غير معلومة ومنع أعضاء مجلس الدولة من السفر ومحاسبة كل من تورط في ذلك وتقديمه للعدالة في أسرع وقت ممكن، وقال في بيان.
وقالت لجنة العدل والمصالحة الوطنية بمجلس النواب، أن ما وصفتها بعملية الخطف والحجز التي تمت بمدينة طرابلس من قبل جهاز الامن الداخلي بحق بومطاري، تعد جريمة مخالفة للقانون وتعديا على الحريات العامة وحقوق الانسان، خاصة أن الجهة التي قامت بها تعتبر رسمية وتابعة للدولة وملزمة بتنفيذ القانون احترامه ، ودعت إلى إطلاق سراحه دون قيد او شرط وفي حال لم يتم ذلك ستضطر لاتخاذ ما يلزم من اجراءات مع الجهات المحلية المسؤولة والدولية ذات العلاقة بحماية الحريات وحقوق الانسان.
واعتبر نائب رئيس المجلس الأعلى لحكماء وأعيان ليبيا ورئيس المجلس الاجتماعي لقبيلة الزوية السنوسي الحليق، أن بومطاري جرى خطفه من مطار معيتيقة الدولي في العاصمة طرابلس بطريقة استفزازية، وأضاف أن النائب العام الصديق الصور أكد عدم وجود أي دعاوى قضائية ضده، لافتا إلى أن وزير المالية السابق من قبيلة الزوية ويسانده 100 ألف من أبناء القبيلة لن يتخلوا عنه أبدا.
ومن جانبه، طلب رئيس مجلس الدولة خالد المشري من النائب العام اتخاذ الإجراءات القانونية العاجلة حيال منع أعضاء من المجلس من السفر عبر مطار معيتيقة الدولي ومصادرة جوازات سفرهم، وأضاف أن الهدف من لك هو عرقلة مجلس الدولة وقطع الطريق أمام الجهود المبذولة من أحل إيجاد حكومة موحدة.
وأبرز المشري في بيان متلفز للشعب،إن «عددا من أعضاء مجلس الدولة كانوا متوجهين في مهمة لتركيا فجرى منعهم من السفر ومصادرة جوازات سفرهم»، وتابع أن حكومة الوحدة الوطنية «تحركت بكل جدية وبقوة ضد المجلس الأعلى للدولة» منذ اتخاذ المجلس لخطوات جدية بشأن الانتخابات، مردفا أن هذه الخطوات «بدأت بمحاولة منع الجلسات وترهيب الأعضاء وأيضا التشويه الإعلامي نتيجة الماكينة الإعلامية الضخمة التي يتم الصرف عليها من أموال الشعب الليبي لعرقلة أمل الشعب الليبي في إجراء الانتخابات»، مؤكدا أن مجلس الدولة يتمسك بخارطة الطريق التي يعتزم التوافق عليها مع مجلس النواب، والتي تنص على ضرورة «تشكيل حكومة موحدة لإجراء الانتخابات تسيطر على كل البلاد ومدة عملها 8 أشهر».
ونقل المشري عن النائب العام تأكيده عدم وجود شبهات فساد أو قضية مرفوعة ضد وزير المالية السابق فرج بومطاري، وأكد ان القبض عليه جرى على خلفية رغبته في الترشح لمنصب محافظ المصرف المركزي.
وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن انزعاجها الشديد من استمرار عمليات الخطف والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري للمواطنين والشخصيات العامة من قبل مختلف الجهات الأمنية في ليبيا، قالت في بيان إن تقارير وردت في 12 يوليو عن اعتقال بومطاري، في مطار أمعيتيقة واقتياده إلى مكان مجهول، ثم وردت التقارير تشير إلى أن خمسة من أعضاء مجلس الدولة قد مُنعوا من السفر في نفس المطار.
ولاحظت البعثة أن من شأن هذه الأعمال أن تنتج مناخا من الخوف، وأن تزيد من التوترات بين المجتمعات المحلية والقبائل ،كما أن لها تداعيات خطيرة على توحيد المؤسسات الوطنية. علاوة على ذلك، فإن استمرار هذه السلوكيات لا يمكن أن تساعد على المضي قدما لإجراء انتخابات شفافة وشاملة وإنجاز المصالحة الوطنية.
ودعت البعثة السلطات الليبية والتشكيلات الأمنية إلى الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفيا، وضمان إجراء تحقيقات مستقلة في جميع المزاعم المتعلقة بعمليات الاحتجاز والاختطاف خارج نطاق القانون، وتقديم مرتكبيها إلى العدالة، مطالبة السلطات المعنية وكافة الفاعلين باحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
وعبرت البعثة أيضا عن قلقها البالغ من التقارير التي تفيد بإغلاق بعض حقول النفط ردا على اختطاف بومطاري، مؤكدة أن هذا من شأنه أن يؤثر على مصدر الدخل الرئيسي للشعب الليبي، وطالبت بإنهاء الإغلاق على الفور، والكف عن استخدام النفط الليبي والموارد الطبيعية الأخرى كأداة للمساومة في أي شكل من أشكال الصراع الداخلي، كما دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا جميع القادة السياسيين والأمنيين والاجتماعيين إلى الامتناع عن أي شكل من أشكال التصعيد بما في ذلك استخدام خطابات التحريض، مؤكدة إن ليبيا لا تتحمل المزيد من الانقسام أو التدهور في الأوضاع.
وقال جهاز الأمن الداخلي إن احتجاز وزير المالية والاقتصاد السابق بحكومة الوفاق “فرج بومطاري” جاء بناء على ورود معلومات تفيد بتورطه في وقائع وشبهات فساد مالي.
وأوضح الجهاز في بيان له أن بومطاري أسس شركة خاصة خلال تسلمه مهامه الوزارية وأبرم من خلالها عقودات تخللتها شبهات فساد.
وأضاف الجهاز أن بومطاري تستر أيضا على واقعة فساد مالي كبدت الدولة خسائر بعشرات الملايين من العملة الأجنبية، مشيرا إلى إحالته إلى مكتب النائب العام للتحقيق.
ويأتي ذلك تعليقا على الإفراج عن فرج بومطاري وتسليمه إلى ذويه من قبل مكتب النائب العام، بعد أيام من احتجازه في طرابلس.