احتفاء ليبي بتكريم المبدع الموسوعي عمر رمضان

احتفاء ليبي بتكريم المبدع الموسوعي عمر رمضان

ليبيا 21 – الحبيب الأسود:

كان يوم 29 يوليو الماضي، مناسبة لتكريم الأديب الكاتب والشاعر الليبي البارز عمر رمضان في مسقط رأسه مدينة بني وليد التي تبعد عن العاصمة طرابلس بحوالي 180 كم باتجاه الجنوب الشرقي، وذلك تقديرا لإبداعاته ومساهماته في اثراء المشهد الثقافي والادبي والفني الليبي، وتكريما لرحلة ابداعية بلغت اليوم نصف قرن قدم خلالها سجلا ثريا من الأعمال الدرامية للإذاعة والتلفزيون والبرامج والأغاني والقصائد والمقالات والدراسات في التاريخ والأدب والروايات.

وحفل التكريم كان ببادرة من جمعية المتكأ للدراسات الاستراتيجية، واحتضنته قاعدة الشهيد الدكتور عبد الله سليمان بكلية الهندسة الالكترونية ببني وليد بحضور عميد بلدية بني وليد عبدالحفيظ الرايس، ونخبة من المسؤولين وأعيان ووجهاء المدينة وأساتذة جامعة بني وليد، وجمع من الإعلاميين والشعراء والأدباء والمثقفين على مستوى ليبيا، بما يشير الى مكانة المحتفى به في مجتمعه المحلي والوطني، والى رصيده الثري ليس من الإنتاج الأدبي والفني والإعلامي فحسب، وإنما كذلك من المحبة والاحترام والتقدير لشخصه ولتجربته التي ارتبطت بالمسار العام للثقافة الليبية منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي.

ولد عمر رمضان في العام 1953 بمدينة بني ولبيد حيث تعلم في سن مبكرة من حياته القرآن الكريم في الكتاتيب والزوايا ثم التحق بمعهد القراءات بمدينة البيضاء في شرق البلاد، وأجيز منه عام 1976، وقد شغف بالأدب واستهوته الكتابة منذ صغره فتواصل مع العديد الصحف والمجلات المحلية ونشر إنتاجه الأدبي على صفحاتها.

وبدأت مسيرة عمر رمضان، مع الاذاعة في العام 1980 من خلال عدة أعمال درامية مرئية ومسموعة، وبرامج أدبية وثقافية من بينها برنامج  «رفاقة عمر» التلفزيوني للشاعر علي الكيلاني، والذي شارك في أولى حلقاته منذ عام 1987 كما لمع من خلال إعداده المادة الأدبية للبرنامج الغنائي التراثي «النجع» لعلي الكيلاني كذلك وبمشاركة عدد كبير من الأصوات الغنائية من ليبيا والمنطقة العربية.

ومن برامج عمر رمضان الإذاعية « على هامش التاريخ»، و«في  الصميم»،و«الباهي باهي»،  و«من أجل الإيمان»، الى أن تم تكليفه سنة 1996 بالإشراف على تأسيس وإدارة اذاعة سرت المحلية.

كما قدم رمضان، قصائد تغنى بها كوكبة من الفنانين الليبيين والعرب، وهو صاحب كلمات «صبي عيني» آخر أغنية سجلتها المطربة ذكرى قبل نهايتها المأساوية في نوفمبر 2003، ومؤلف المادة التوثيقية لملحمة «السيرة الهلالية» للشاعر عبد الله منصور والملحن والمطرب الراحل محمد حسن بمشاركة المطربة ذكرى والفنان الكبير الراحل حسن العريبي.

ومن بين الأصوات التي تغنت بكلمات رمضان نجد كلا من عبد اللطيف حويل وخالد سعيد ومحمد السيليني ومحمد خليل وناصف محمود واحمد حلمي ومراد اسكندر ومحمد الجفيلي ومصطفى طالب وراسم فخري ولطفي العارف و أشرف محفوظ ومصطفى حمزة ومحمد الصادق وخالد عبدالله و سيف النصر، وفاطمة احمد وسالمين الزروق ونجوى محمد ومريم السعفي ونادية محمد وحنان سعيد وامال الشريف و وفاء سالم.

ومن الأصوات العربية وديع الصافي ومصطفى نصري وإبنته آصالة نصري وحسان عمراني والشاذلي الحاجي والياس كرم، وسميرة توفيق وسامية كنعان وأصالة نصري وفاتن حناوي وسماهر وصفوة وامل عرفة وعليا بلعيد ورؤيا يوسف ومنيرة حمدي وسوزان عطية وسونيا مبارك.

وقد حظي عمر رمضان بلقب «شاعر الوطن» ونال التكريم في مناسبات عدة لما قدمه من مساهمات قيمة أثرت مسيرة الأدب في ليبيا والوطن العربي، وشغل عدة منصب من بينها أمين اللجنة الشعبية للإعلام والثقافة ببلدية خليج سرت، ومدير إدارة البرامج بالإذاعة الليبية.

وفي غياب المحتفى به لأسباب صحية، توقف الحاضرون عند أهم محطاته الأدبية والفنية والفكرية، والتي تميزت بالتنوع والتعدد والكثافة والقدرة على التأثير في المجتمع الليبي حيث لا تزال تشكل رصيدا مهما في الذاكرة الجمعية، وللذائقة الشعبية، وللمكتبة الوطنية.

ورحب عدد من الإعلاميين والكتاب والمثقفين بهذا اللفتة، ومن بينهم الصحفي والإعلامي سالم رحيم الذي قال أن «عمر رمضان أعطى للوطن كل ما يملك لكن الوطن لم يعطه شيئا لأنه زهد في الدنيا، فقد كان باستطاعته في ذلك الوقت وهو القادم الى طرابلس بتوجيه من رأس الدولة شخصيا أن يستغل الوضع ويملك البيوت والسيارات الفارهة لكنه آثر حب الناس وحب الحرف على حب المال، فنام في فندق ذي نجمتين ومربوعة صديقه الحميم علي الزين يأكلان خبزا بزيت الزيتون وكسكسي الحاجة برنية رحمها الله التي عاملته على انه ابنها الثاني فهي لم تخرج من الدنيا بسواه ثم يركبان سيارة علي الفولكس التي يدور محركها مرة وتحتاج الى الدفع من الخلف مرات».

ويرى رحيم أن عمر رمضان يلتقي مع أبي العلاء المعري في عدد من النقاط، اذ أنه «كان شغوفا بالقراءة منذ صباه ، متمتعا بنقاء الذاكرة ، يقرأ متدبرا ومتعمقا في كل حرف خط في كتاب، ونظم القصائد وكتب المقالات وهو طالب بمدينة البيضاء قبل العشرين من عمره، ثم أخيرا يلتقي معه وإن اختلفا زمنيا فابوالعلاء لزم بيته في مقتبل حياته وعمر رمضان في تقدمها، ابوالعلاء اضطره العمى الى لزوم بيته والثاني ضيق التنفس وأنبوبة الأكسجين كانت وراء ذلك نتيجة مرض الرئتين. ورب ضارة نافعة فلولا لزومه بيته وتفرغه التام لمكتبته النفيسة التي تضم أروع ما كتب الأولون خاصة عن العصور القديمة ومنها العباسي زمن ابي العلاء لما أتحفنا يوميا بهوامشه وهواجسه ورواياته عن ذلك الزمن في إسقاطات جميلة على واقع حالنا».

أما الإذاعي والإعلامي البارز عطا الله المزوغي، فرأى أن عمر رمضان بدوي سبعيني، فائق البساطة، عديم التكلف، غني النفس غنى علمه ومعارفه ومداركه.. يعيش منذ أكثر من عقد محابس تتعدى ضيق النفَس والوِحدة، وهو الذي غمرت أنفاس نبضه كل الأفضية، وحام نبض أنفاسه كل الآفاق.. فالشيخ مأسور بوجع الجحود وموجوع برذيلة النسيان، وموجوع بذل الإهمال ومكمود بضياع الأوطان».

وتابع المزوغي أن «عمر الذي يأسره القلم الى حيث الدفق البديع من جمال النظم، وبلاغة المعنى، وعمق المحتوى، ومغزى الحكمة، وعمر الذي يمسك بقياد الحرف فلا يجنح، ويطوق الكلمة فلا تنفلت، ويمحص القيمة فلا تعدم، هو مكرّم بكل ذلك، لأن بريق الكلمة يحتويه، ودلالة المعنى تتضمنه، وبلاغة الصورة تجسده» إذا أنه «غرّد للأرض والعشق والوطن، فأطرب وأنشى وأوعى، وجال في وجدان الناس، أقاصيص وحكايات، فأبتكر وتفرّد وأبدع».

ومن جانبه، أبرز الكاتب الصحفي عصام شعيب أن عمر رمضان منقوش اسمه وموصوف بالأبداع، وقال «إذا كنت مطلعا ومهتما أو حتى باحثا في تاريخ الفنون والثقافة المحلية، لابد لك أن تقف على اسمه في كتاب أو قصيدة شعرية أو أغنية أو رواية أو حتى حكاية شعبية، وأنت مسترخي في بيتك وتشاهد في التلفزيون سيمر اسمه امامك ككاتب لأحد المسلسلات الدرامية او المنوعات الرمضانية مثل (الباهي باهي) و(يمسيكم بالخير) وأنت ذاهب إلى عملك بسيارتك وفاتح الراديو سيشدك المسلسل التاريخي  (على هامش التاريخ)  لتكتشف بعدها انه هو من كتبه وقدمه في قالب محكي جميل من قبل اربعة عقود ،وأنت تردد في الاغاني الليبية ومعجب جدا بجمال وتعبير الكلمة وتسئل عن كاتب هذه كلمات ستسمع  صدى صوت يقول لك هو نفسه الذى كتب لكثير من الفنانين العرب الكبار، وان اختليت مع نفسك وحاولت ان تعيش أجواء تراثية ستعود بك الذاكرة إلى سلسلة «النجع» و« المرحول »الرمضانية الذي كتب المادة الكلامية فيها».

ويعتبر تكريم الأديب والكاتب والشاعر عمر رمضان بادرة مهمة في سياقات لم الشمل والإعتراف بأفضال الليبيين من أجيال مختلفة خدمت الإبداع وأثرت الثقافة وساهمت في تشكيل الوجدان الوطني وفي ترسيخ قيم الجمال الفني والتجذر في الهوية مع الإنفتاح على المحيط الحضاري بروح التأسيس والإضافة المجزية والمجدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *