التقاسمات في التفاهمات بين الدبيبة وحفتر

التقاسمات في التفاهمات بين الدبيبة وحفتر

علي الصراف
كاتب عراقي

آخر ما يمكن توقعه من “تفاهمات” عبدالحميد الدبيبة والمشير خليفة حفتر أن تكون معنية بإجراء انتخابات بالفعل. لا هذا العام، ولا بعد 10 سنوات أخرى. إلا إذا أمكن النظر إليها على أنها “مولد”، لا أحد يخرج منه بلا حمص.

ليس من مصلحة أي من الطرفين إجراء انتخابات من الطراز الذي يؤدي إلى إقامة حكومة منتخبة على حساب أحد منهما. جرب الليبيون ذلك وفشلوا. والانقسام نفسه فالحرب الأهلية، إنما كانا اختلافا بين فائز يريد أن يفوز بكل شيء، وخاسر يتحاشى خسارة كل شيء ولو جاء بمرتزقة من الخارج.

الانتخابات، في نهاية النهايات، هي ربح وخسارة، لمَنْ يقبل الربح والخسارة. بينما الطرفان يعيشان في واقع مزدوج قائم على الربح فقط. القاعدون في طرابلس رابحون، والقاعدون في بنغازي رابحون، وما من شيء حولهما يثير القلق. لا توجد معارك طاحنة تهدد الاستقرار المحلي، أو تقلق راحة السفراء المعنيين بالأزمة. كما توقفت “الحرب الباردة” بين “القوتين العظميين”، الجيش الوطني الليبي من جهة وميليشيات الإخوان ومرتزقة رجب طيب أردوغان من جهة أخرى. والروح الأخوية سائدة بين أعضاء لجنة 5+5 العسكرية، ولو من دون توحيد “الجيشين”، على الأقل لأن أحد هذين الجيشين غامض تماما، ويحتاج توضيحه إلى عدة لجان أخرى.

وفي الواقع، فإن منذ “التفاهمات” التي تمت في يوليو الماضي بين الطرفين، والتي انتهت بالاتفاق على إقالة مدير مؤسسة النفط الليبية مصطفى صنع الله، وتعيين فرحات بن قدّارة بدلا منه، والأمور المتعلقة بالنفط، لجهة صادراته واستثمارات التطوير لحقوله، تمضي على خير ما يرام، ليس للمشير حفتر ورئيس الحكومة الدبيبة فحسب، وإنما للولايات المتحدة ولشركاتها التي فرضت نفسها لاعبا رئيسيا في هذا “المحور”. وهي “تفاهمات” نسفت “اتفاقات” طرابلس مع أنقرة، فكسب حفتر والدبيبة رضا واشنطن عنهما. وهو رضاء من رضا الوالدين.

هذا الرضا وحده، يكفي لضمان التهدئة، ولضمان التفاهم على تفاهمات سوف تأتي يوما ما، لكنه لا يضمن التوصل إلى انتخابات، إلا إذا تضمنت التفاهمات وضعا لا يقوم على معادلة ربح وخسارة. وهو ما يعني أن يخرج الطرفان فائزين. الأول برئاسة الدولة والثاني برئاسة الحكومة، على سبيل المثال، لا الحصر.

من جهته يستعد مجلس النواب لاختيار أعضاء اللجنة المشتركة (6+6) التي ستتولى مع المجلس الأعلى للدولة وضع القوانين الانتخابية. وحالما يتم فك الألغاز التي تضمن فوز الجميع، بطريقة تضمن عدم فوز أحد على أخيه، فإن الانتخابات ستكون احتمالا قابلا للتحقيق.

وهذا قد يكون حلا، طالما أن الطرفين يخوضان المعركة من أجل السلطة أولا، وربما من أجل رخاء ليبيا واستقرارها ثالثا. إلا أن التوصل إليه لا يزال ينتظر تسويات تفصيلية أخرى تتعلق بتوزيع المناصب المدنية والأدوار السياسية والرتب العسكرية لكل المعنيين بالتسوية. إذ لن يسمح أي من قادة الميليشيات بأن تمر التسوية بينما يخرج هو من “المولد بلا حمص”. أما الحديث عن القاعدة الدستورية فهو مما يتخادع به الجميع مع الجميع في زعم البحث عن حل لها.

القصة كلها هي قصة تقاسم حصص.

الحديث، ضمن هذه القصة، عن “تسريع تفكيك ودمج المجموعات والميليشيات المسلحة داخل أجهزتها الأمنية والعسكرية” هو في الواقع حديث عن تعيينات ورتب ورواتب. ذلك حل أيضا. وهو إيجابي طالما أمكن للقصة التي طال سردها 12 عاما أن تنتهي، وأن توضع لها تفاهمات تضع بدورها حدا لتفاهمات لا تزال حتى الساعة تدور في حلقة مفرغة. وبينما يمكن أن يتمدد الجيش الموحد بقيادة المشير حفتر مع الجيش الغامض ليتولى السيطرة على البلاد، فإن شيئا لن يحول دون أن تتمدد وزارة الداخلية التابعة لحكومة الدبيبة، كما تقول التفاهمات، لكي “تتولى العمل الأمني تدريجيا في المنطقتين الشرقية والجنوبية، مقابل إقدام حكومة الدبيبة على منع أي سلاح خارج شرعية الدولة وأجهزتها المختصة”، أي الجيش.

إنه حل قائم على تقاسم السلطة، وتقاسم المغانم والأدوار، وتقاسم نتائج الانتخابات. ولكي تثبت هذه “التقاسمات” على أرض الواقع، بوصفها هي الواقع الجديد، فلن تعود هناك حاجة تستعجل إجراء الانتخابات، لكي لا تتكسر “التقاسمات” أسرع مما يجب، فتعود الانقسامات إلى ما كانت عليه، وتنشب حرب أهلية بين الغامض والواضح وتعود الحرب الباردة لتنشب بين “القوتين العظميين”، مما قد يزعزع استقرار الشركات الأميركية واستثماراتها.

الحلول القائمة على تقاسم الكعكة كانت متاحة باستمرار. إلا أن كل طرف ظل ينظر في حصته ويحسد الآخر على ما أصبح من نصيبه. وما كان لقسمة أن تستقر من دون وجود “طرف ثالث” يقتسم القسمة، ويقتسم لنفسه. وهو ما ظل يفعله المستعمرون القدامى على طول الخط. سوى أن الكفاءة المعاصرة في ليبيا أطالت الأزمة وشبكت خيوطها في مغزل الصغائر والضغائن، فجعلت من المستحيل عليها أن تتوصل إلى نتيجة. وذلك على الرغم من أنها كانت واضحة في نفس كل ذي مطلب، ولكن يخشى قولها لكي لا يُتهم بأنه “لا يراعي مصالح الشعب الليبي الكريم”. فجاء مبعوثون ورحل مبعوثون، حتى وصلت “هاليبرتون”و”هانيويل إنترناشونال” لتكونا هما سفير القسمة بين المتنازعين.

العبقرية الليبية ربما كانت فذة في إنتاج مناقشات وحوارات لا تفضي إلى نتائج. إلا أنها لم تأخذ بعين الاعتبار العبقرية الأميركية في إنتاج “الحلول” التي يخرج الكل منها رابحا، بمن فيهم… الشعب الليبي نفسه.

إعادة توزيع “الحصص” لن تغفل مصالح هذا الشعب. فالاستقرار لن يكتمل إذا اكتفت الميليشيات والجماعات المتنازعة بأن تأخذ حصتها وتنسى “الشركاء” الآخرين. وهناك من العوائد ما يكفي للجميع. النصف للشركات النفطية. ونصف النصف للجماعات الواضحة والغامضة. والباقي للشعب الليبي العزيز. وهو أكثر مما “يكفي” لعيش كريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *