الحرب في السودان أكبر من قدرة جوبا على القيام بدور فعال للوساطة

الخرطوم/جوبا: تحولت دولة جنوب السودان إلى قبلة لطرفي الصراع في السودان، وقوى إقليمية لديها مصالح كبيرة مع الخرطوم، بحثًا عن حلول تسهم في إنهاء الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما يشي بقناعات مختلفة أن رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت قد يشكل رمانة ميزان لتبريد الأزمة الحالية في الخرطوم أو تصبح بلاده بابا خلفيا لتمدد الصراع وخروجه عن السيطرة.
والتقى الرئيس سلفا كير مع نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الجديد مالك عقار أخيرا، وتطرقا إلى جهود ومبادرات إحلال السلام وإنهاء الصراع في السودان، وتناولا الخطوات العملية للتنسيق بين الجهود والمبادرات المطروحة إقليميا بهدف منع الدخول في حالة من تعدد المنابر والوساطات التي لا تصب في صالح وقف الحرب.
وجاءت زيارة عقار عقب توليه مهام منصبه الجديد بأيام قليلة، وبدت كأنها رد ضمني على زيارة سابقة قام بها عزت يوسف المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع إلى جوبا، وشهدت تأكيداً على الاستعداد لقبول وقف القتال فورا، حال التزام الجيش بذلك.
ولعبت جوبا دوراً في توقيع اتفاق السلام بين المكون العسكري في السودان والحركات المسلحة التي يتمركز أغلبها بدارفور، في أكتوبر 2020، وانخرطت بشكل مباشر في مساعي تقريب وجهات النظر بين المدنيين والعسكريين قبل اندلاع الحرب، ولعبت الدور ذاته بين الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا.

وتوجد مشتركات عديدة تجعلها مؤهلة للقيام بدور إيجابي في عملية الوساطة كطرف مقبول من جانب قائدي الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)وتمتع جوبا بعلاقات جيدة مع القوى السودانية.
ويبدو أن الصراع الحالي أكبر من قدرة جوبا على القيام بتسويته سلميا، كما أن الأزمة الراهنة متشعبة داخليا ولها جذور إقليمية ويمكن أن تكون لها روافد دولية، تجعل زيارات جوبا ضمن مساعي التمهيد لحل من دون الخوض في تفاصيله المعقدة.
ولم تقتصر زيارات جوبا على الأطراف السودانية فقط، حيث هدفت مصر مبكرا لتنسيق المواقف الأفريقية للتعامل مع اندلاع الحرب في الأيام الأولى لها، وقام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتواصل مع الرئيس سلفا كير لتنسيق التحركات المشتركة لوأد الحرب، وقام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة جوبا، تلتها زيارة قام بها توت قلواك مستشار رئيس جنوب السودان إلى القاهرة.
وقال المحلل السياسي السوداني قصي مجدي إن جوبا كانت جزءا من دولة السودان وهناك التصاق مباشر للقيادة السياسية هناك بالشأن السوداني، والعلاقة مع الخرطوم لا تشبه باقي عواصم دول الجوار، ويجعل العمق بين الشعبين والعلاقات المتشابكة روابط جوبا بالقضية السودانية قوية، ناهيك عن أن قيادة دولة جنوب السودان تعرف المشكلة، وهي نفسها عانت من أزمات السودان حتى نالت استقلالها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الجيش والحركات المسلحة وعددا كبيرا من القوى السياسية في السودان يختارون دائما جوبا كمحطة مريحة للاجتماعات، وعندما هزمت حركات دارفور مضت من أقصى الشمال الغربي إلى الجنوب ولم تذهب إلى تشاد أو دولة أفريقيا الوسطى، وأن طاولة المفاوضات دائما ما تكون مهيأة وتلعب جوبا إلى جانب دول أفريقية أخرى دورا مهما في الوساطات.
وتحتفظ دولة جنوب السودان بعلاقات ودية مع قائد قوات الدعم السريع حميدتي، وبينهما تفاهمات بشأن حل أزمة النزاع الحدودي في منطقة أبيي، مع تبني الدولتين آلية لحل الخلافات بينهما، وتدرك أهمية ضبط الأوضاع هناك ومنع انفلاتها على نحو كبير، كما ترتبط بعلاقة جيدة مع قائد الجيش البرهان بحكم التنسيق العسكري بين البلدين.
وأشار قصي مجدي لـ”العرب” إلى أن الأزمة الراهنة لا تشبه الصراعات التي اندلعت سابقًا في دارفور أو النيل الأزرق أو كردفان، ولأول مرة تدور الحرب بالمركز وليس الأطراف، ما يصعّب من قدرة جوبا على الحل، ولا توجد دولة لديها القدرة على إقناع الطرفين بإلقاء السلاح وإيقاف الحرب، لأنه يمثل في نظرهما انتحاراً عسكريا.
وشهدت العاصمة الخرطوم، يومي الثلاثاء والأربعاء، اشتباكات متقطعة بين الجيش وقوات الدعم السريع بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جدة حيز التنفيذ بوقت قصير بوساطة سعودية – أميركية.
وذكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة أن دولة جنوب السودان لديها مبادرة لوقف الحرب قبل بدء المبادرة السعودية – الأميركية، وقد تكون مناسبة لطرفي الصراع، وهو ما يفسر توافد بعض الشخصيات الكبيرة عليها الأيام الماضية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن جوبا تعدّ من البوابات المهمة للأطراف السودانية إذا أراد أحدها توصيل رسائله إلى قلب القارة الأفريقية، وتشكل وسيطًا بين السودان وغيرها من الدول الأفريقية المجاورة، ما يجعلها وسيطا محوريا على الدوام، وعدم انحيازها لأيّ من طرفي الصراع جعلها مقبولة من قوى سياسية وعسكرية.

ولدى البعض من المتابعين قناعة بأن الحرب التي اندلعت في الخرطوم ربما يصعب احتواء تداعياتها داخل حدود السودان، وأن دولة جنوب السودان التي تشترك في تاريخ طويل من نشاط الحركات المسلحة تمتلك بعض أدوات التأثير التي تساعد على إخماد الصراع أو إشعال نار ملتهبة أكثر خطورة.
وتكمن صعوبة نجاح جوبا في القيام باختراق إيجابي في النظر إليها كدولة تعاني من سمات الدول الفاشلة، لأنها مثل الحال في السودان بها فريقان رئيسيان يمتلكان السلاح، كلاهما يتحالف مع ميليشيات عرقية متباينة، واتفاق السلام الموقع بينهما في العام 2018 لا يتم تنفيذه كاملا على الأرض، ويوجد نزاع أيضا حول السلطة والثروة.
لكن لدى جوبا مصلحة حيوية في إنهاء الصراع الدائر في الشمال أو المساعدة في الحد منه، إذ تخشى من امتداد إلى أراضيها مع وجود أكثر من 700 ألف جنوبي في الشمال قد يصبحون مجبرين على العودة أو ينخرط بعضهم في صراع ممتد.
ويهدّد الصراع الحاصل في السودان بتوقف تدفق النفط عبر أنبوب النفط الذي يربط حقول النفط الرئيسية في جنوب السودان بميناء بورتسودان على البحر الحمر، مع اعتماد مواردها على 98 في المئة من واردات النفط، والذي تبلغ صادراته 77 ألف برميل يوميا.
وتشكل الحدود المشتركة الشاسعة والمتنازع عليها بين البلدين حول منطقة أبيي تحديدا عاملاً مهمًا في التوجه نحو جنوب السودان بحثًا عن تسوية صعبة، لأن المنطقة الحدودية ظلت مأوى لنشاط الكثير من الحركات المسلحة على الجانبين، بالتالي هناك حاجة ملحة لضبط الحدود من قبل جوبا، وهو أمر لن يتحقق مع استمرار الحرب.