الليبيون في حالة غضب لغياب الموقف والقرار
محمد الهوني
رئيس تحرير ليبيا 21
تشعر الأغلبية الساحقة من الليبيين بالأسف والألم لوضعية هانيبال معمر القذافي في لبنان، ليس فقط لأنه مواطن ليبي من المفترض أنه يمتلك كامل حقوقه على سلطات بلاده بما يجبرها على الدفاع عنه والضغط لإطلاق سراحه بعد ثماني سنوات من الاحتجاز القسري، ولكن لأن دولتهم أصابها الضعف والترهل، وضربها التشقق والتصدع، وعصفت بها رياح الشقاق والانقسام حتى فقدت القدرة على التحرك للدفاع عن نفسها وعن مواطنيها، وباتت عرضة للابتزاز والاستفزاز من الضعفاء قبل الأقوياء، ومن الأقرباء قبل البعاد، كما هو الحال مع وضعية هانيبال.
من يتابع مجريات الحديث والجدل والسجال في المجالس والمرابع والمقاهي والمنابر وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، يستخلص أن سبعة ملايين ليبي يشعرون بالغضب والحنق إزاء ما يتعرض له هانيبال معمر القذافي، مقابل بعض المئات من أصحاب القرار السياسي ومن يدورون في فلكهم، ممن لا يهتمون لحالة الرجل حتى من باب متابعتها كقصة خبرية شائكة ذات أبعاد إنسانية مؤلمة، تشي بانهيار قيمة العدل وبسيطرة ثقافة الظلم والحقد والكراهية على بعض من يزعمون التشبث بالخير والعدل والسلام، أو يرفعون شعارات الوطنية والقومية والإسلام.
مرت ثماني سنوات على اختطاف هانيبال من العاصمة السورية دمشق حيث كان يقيم كلاجئ سياسي مع زوجته اللبنانية ألين سكاف، وعلى نقله إلى بيروت لاحتجازه هناك في سياق لعبة كان ظاهرها البحث عن العدالة في ملف إخفاء الإمام الشيعي موسى الصدر في العام 1978، وفي باطنها خطة لابتزاز السلطات الليبية يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يعتبر نفسه الوصي المؤتمن على حق الإمام المخفي وأسرته، واعتقاد لدى قيادة “أمل” بأن أسرة القذافي قد تكون تمتلك المليارات من الدولارات في أماكن معينة من العالم وخاصة في أفريقيا، وبالتالي سيكون عليها وبإمكانها دفع مبالغ ضخمة مقابل الإفراج عن ابنها هانيبال.
ارتكزت خطة اختطاف ابن القذافي من دمشق على قناعة لدى برّي والمقربين منه بأن النظام السوري قد انتهى ولن يكون له أي دور مستقبلي، وفي ذلك كما هو واضح اعتداء على الحليف الأساسي والجار الذي يفترض أنه شريك القضية والمصير في ما تسمى بجبهة المقاومة وتنكر له ولدوره، حتى وصل الأمر إلى رفض قيادة “أمل” التدخل الشخصي من قبل الرئيس السوري بشار الأسد لحلحلة أزمة هانيبال، ليبقى الأمر على ما هو عليه في سياق مظلمة استثنائية تتمثل في معاقبة رجل على دور منسوب إليه في جريمة غامضة جدت عندما كان لا يتجاوز العامين من عمره.
كشفت وضعية هانيبال القذافي أن ليبيا ذات السيادة والتي كانت لها هامتها المهيبة وكلمتها المسموعة سواء عن حب أو عن خوف أو طمع، ذهبت إلى غير رجعة، وأن صورة ليبيا القوية التي تدافع عن أبنائها حيثما كانوا، وتخوض من أجلهم معارك سياسية ودبلوماسية، لم يعد لها أثر على أرض الواقع، وبالمقابل، بات واضحا أن هناك من الليبيين من يقفون إلى جانب المبتزّ والمستفز، ويخططون مع الغرباء للاعتداء على شركاء الوطن ولنهب أموال الدولة ثم تقاسمها في الغرف المظلمة كما حدث في وقائع عدة، بل أن التحالف مع الأجنبي ضد أبناء البلد الواحد بات سمة الحالة الليبية خلال السنوات الماضية، حتى أنه أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين وإلى وضع اليد على المليارات من الدولارات من أموال الشعب المظلوم والمحروم في الوطن المكلوم والمتأزم.
ولعل من المضحكات المبكيات ما أقدم عليه مسؤولون ليبيون في السلطات الرسمية والموازية بغرب وشرق البلاد، من نشر بيانات يزعمون من خلالها الدفاع عن ابن القذافي ودعوة السلطات اللبنانية إلى الإفراج عنه وإطلاق سراحه، ومنها ما جاء على لسان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الذي كان من أبرز المستفيدين من النظام السابق، والذي قال إنه تواصل مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي لبحث ملفه، مضيفا أن هانيبال ليس محتجزا لدى الحكومة اللبنانية، وهو ما نفاه ميقاتي في تصريح صريح معلنا أن الدبيبة لم يتصل به، مؤكدا أنَّ “ملف نجل القذافي في يد القضاء المختص، وأي متابعة لهذا الملف تجري بالطرق القضائية المختصة”.
يدرك ميقاتي أن هانيبال ضحية التوازنات السياسية والطائفية في لبنان، وضحية منطق الابتزاز والاستفزاز والعمل على استغلال حالة الضعف التي باتت عليها ليبيا في ظل حكوماتها المتتالية منذ العام 2015، وهو ما أثار حالة من الغضب الجارف لدى عموم الشعب الليبي يبدو أنها لن تهدأ بسهولة، وقد تكون لها نتائج غير محسوبة العواقب، فيما لا يزال المسؤولون يدّعون الدفاع عن الرجل ويزعمون العمل على الإفراج عنه، فقط من باب الترويج الإعلامي، وهو ما اعتادوا عليه منذ أن وصلوا بليبيا إلى ما آلت إليه من الانهيار والانكسار وغياب الموقف والقرار.