حراك ليبي متسارع للتوافق على الانتخابات
طرابلس: بدأ العد التنازلي للمهلة التي اقترحها المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، للطبقة السياسية بضرورة التوافق على خريطة طريق للانتخابات حتى منتصف يونيو/حزيران الجاري، قبل أن يبدأ في تنفيذ خطته والأخذ بزمام المبادرة.
ففي مارس/آذار الماضي، اقترح باتيلي، وضع خريطة طريق جديدة وواضحة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، بحلول منتصف يونيو، محملا “الحكومات الانتقالية إلى ما لا نهاية، والأجسام الشرعية التي انتهت ولاياتها”، مسؤولية عدم الاستقرار وإطالة أمد هذا الوضع.
والتسابق بين الأطراف السياسية الليبية يتم على مستويين متوازيين لكنهما ليس بالضرورة متضادين.
المستوى الأول وتمثله لجنة 6+6 البرلمانية المشتركة، المكلفة من مجلسي النواب والدولة، بالتوافق حول قوانين الانتخابات، وفك عقدة الخلاف بشأن ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، والتي تحظى بدعم من المبعوث الأممي.
أما المستوى الثاني فيمثل القوتين الفاعلتين على الأرض وهما رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، وخليفة حفتر، قائد قوات الشرق، وتلعب القاهرة الدور الأبرز في تقريب وجهات النظر بينهما بشأن توحيد السلطة التنفيذية لتسهيل إجراء الانتخابات.
ورغم هذا الحراك الداخلي بتشجيع أممي، إلا أن الدور الأمريكي الدافع نحو الانتخابات بدأ يتراجع في ظل انشغال واشنطن بالحرب في أوكرانيا والأزمة السودانية المستجدة.
لكن واشنطن تضغط على حفتر أكثر من أي وقت مضى لفك ارتباطه بمجموعة فاغنر العسكرية الروسية، ضمن خطة شاملة تسعى من خلالها لوقف توسعها في إفريقيا.
لم يدم التفاؤل طويلا بعد إعلان لجنة المشتركة (6+6)، في 23 مايو/أيار المنصرم، في مؤتمر صحفي بالمغرب، تحقيقها “توافقا كاملا” بشأن النقاط الخلافية المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة وأعضاء البرلمان، حتى خرجت أصوات من المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) تتحفظ بشأن هذا “التوافق” وتصفه بـ”المبدئي”.
أحد المشككين في هذا “التوافق الكامل” كان عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب، الذي اعتبره توافقا “مبدئيا وليس نهائيا”، ويحتاج إلى موافقة المجلسين، خلال تصريح تلفزيوني.
لكن زميلته في المجلس نعيمة الحامي، لفتت في تصريح صحفي إلى أن التعديل الدستوري (الـ13) منح لجنة (6+6) صلاحيات واسعة، منها “التوافق دون الرجوع إلى المجلسين”.
وبالنسبة لمضمون “التوافق الكامل” الذي لم تعلن عنه اللجنة المشتركة بشكل رسمي، فكشف معزب، أنه يرتكز على “السّماح بالترشّح للجميع دون شروط في الجولة الأولى”، على أن يتم “تطبيق الشروط على الفائزين في الجولة الثانية منها اشتراط التنازل عن الجنسية الأجنبية”.
حيث سيسمح بترشح العسكري للانتخابات الرئاسية “شريطة استقالته من منصبه” وفق معزب، الذي تحدث عن “عدم قبول ترشّح من صدر ضدّه حكم”.
ووفق هذا التوافق، فسيتم حل أكبر معضلتين أمام إجراء الانتخابات وهما ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، والإشارة هنا إلى حفتر، الذي لن يكون مضطرا للتخلي عن جنسيته الأمريكية إلا إذا ضمن الصعود للدور الثاني من الانتخابات، كما يمكنه العودة إلى “منصبه” العسكري إذا خسر الانتخابات.
بينما من المستبعد السماح لسيف الإسلام القذافي، الترشح للرئاسيات بالنظر إلى صدور حكم نهائي من القضاء الليبي بإعدامه إثر إدانته بارتكاب “جرائم حرب”.
فالمعسكرين الرئيسيين في البلاد متفقين على استبعاد القذافي الابن من الانتخابات، خاصة وأنه ليس له قوة عسكرية يمكنه الضغط بها أو تستطيع عرقلة الاقتراع.
ولكن هذا التوافق “المبدئي” على السماح بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، من المرجح أن يصطدم برفض أعضاء من المجلس الأعلى للدولة، خاصة من الذين سبق لهم الاعتراض على التعديل الدستوري الـ13.
والأهم من ذلك أن كتائب المنطقة الغربية ترفض بشكل صارم ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، الأمر الذي من شأنه عرقلة إجراء الانتخابات.
وفيما يخص نظام الانتخاب، فتحدثت وسائل إعلام عربية عن اتفاق لجنة 6+6 على أن يكون 60 بالمئة وفق نظام القوائم و40 بالمئة وفق نظام الفردي.
ومن شأن هذه النقطة أن ترضي الأحزاب السياسية بعد تبني مجلس النواب في طبرق (شرق) نظام الفردي، في قانون الانتخابات لعام 2021، وألغى تماما نظام القوائم ما اعتبر إقصاء غير مباشر لدور الأحزاب في الانتخابات البرلمانية.
لن يكون إنجاز قوانين الانتخابات آخر المعضلات أمام إجراء الرئاسيات والبرلمانيات وإن كان أبرزها، فانتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، كانت ستجرى بقانون “غير توافقي” وعليه الكثير من الاعتراضات من حيث شكل والمضمون، ومع ذلك تقدمت جميع الأطراف البارزة للانتخابات، التي ألغيت لأسباب لا علاقة لها بالقوانين.
وحينها كانت الحكومة واحدة وموحدة، أما اليوم فهناك حكومتان، الأولى في الغرب برئاسة الدبيبة، والثانية في الشرق كُلف بتسييرها أسامة حماد، بعد توقيف مجلس النواب لرئيسها فتحي باشاغا، منتصف مايو المنصرم.
الوضع ملتبس حول الحكومة التي ستشرف على الانتخابات، هل هي حكومة الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة منبثقة من برلمان منتخب، أم حكومة مصغرة يتفق عليها مجلسي النواب والدولة، وهو موقف يدعمه كل من عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وكذلك لجنة 6+6 المشتركة، حسبما صدر من تسريبات صحفية عنها.
إذ أكد رئيس مجلس النواب، في 20 مايو، رفضه إشراف حكومة الدبيبة على الانتخابات، ودعاه إلى التنازل عن منصبه إذا أراد الترشح للرئاسيات، وقال إنه “يجب إجراؤها في ظل حكومة جديدة محايدة قبل نهاية العام الجاري”.
الدبيبة، المعروف بدهائه، فتح قناة تواصل مع حفتر، ووفق تسريبات صحفية، فإن ممثلين عن الطرفين التقوا في القاهرة لبحث تقاسم الوزارات السيادية، ما يعني إلغاء الحكومة المكلفة من مجلس النواب التي كان يقودها باشاغا.
وجزء من الصفقة عدم وقوف الدبيبة حائلا أمام ترشح حفتر للانتخابات الرئاسية، بسبب خلفيته العسكرية وجنسيته الأمريكية.
لم تسفر بعد المفاوضات بين الطرفين عن اتفاق نهائي، لكن من السابق لأوانه الإعلان عن فشلها، فالخصمان اللدودان أثبتا قدرتهما على الاتفاق في أحلك الظروف، على غرار تعيين الدبيبة، فرحات بن قدارة (المقرب من حفتر)، على رأس مؤسسة النفط، مقابل فتح قائد قوات الشرق الحقول والموانئ النفطية.
لكن حفتر لن يكون في حاجة إلى الدبيبة إذا اتفقت لجنة 6+6 على تشكيل حكومة مصغرة للإشراف على الانتخابات، والسماح للعسكريين ومزدوجي الجنسية بالترشح للرئاسة.
وحتى في ظل هذا السيناريو، فإنه من المستبعد أن يرمي الدبيبة المنشفة، وسوف يضغط عبر أعضاء مجلس الدولة والنواب الموالين له وكذلك كتائب المنطقة الغربية لعدم قبول ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية وعدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة.
وإذا لم تتفق الأطراف الأربعة (مجلسا النواب والدولة والدبيبة وحفتر) على صيغة ما لتقاسم المصالح، فإنه من الصعب إنجاز قوانين الانتخابات وتوحيد الحكومة قبل نهاية يونيو الجاري.
وفي هذه الحالة قد يأخذ المبعوث الأممي زمام المبادرة، ويشرع في مشاورات تشكيل لجنة تسييرية عليا لإصدار قوانين الانتخابات والإشراف على تنظيمها، كما لوح بذلك مرارا.
إلا أن انشغال واشنطن بملفات دولية واقتراب موعد انتخاباتها الرئاسية في 2024، وإصرار أطراف محلية على أن يكون الحل ليبيًا ـ ليبيًا، وأن لا يكون مفروضا من الخارج، من شأنه عرقلة خطة باتيلي، لوقف مسلسل إطالة أمد الأزمة، الذي لم يعد يتحدث عن تشكيل لجنة تسييرية عليا منذ نهاية مارس الماضي.