رفض رسمي وشعبي في ليبيا لدعوات «توطين المهاجرين» في فزّان

طرابلس: تحولت إمكانية توطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا الى قضية ساخنة تثير جدلا واسعا على جميع المستويات السياسية والاجتماعية، ولاسيما في الجنوب الذي يرى البعض أنه قد يكون مؤهلا لاحتضان جحافل المهاجرين غير النظاميين المعرضين للطرد من الضفة الشمالية للمتوسط أو المحاصرين أمنيا على سواحل الضفة الجنوبية والممنوعين من الإبحار على متن قوارب الموت نحو الزول الأوروبية.
وأكدت القوى الوطنية والكيانات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في اقليم فزان رفضها التام لمبدأ توطين المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا تحت أي مسمى ولأي سبب. وقالت في بيان، أن ليبيا ضحية جغرافيا وهي دولة عبور وليست دولة مصدر ولا مقصد، مشيرة الى أن «ما يجري من محاولات للتوطين تحت شعار الانسانية وحقوق الانسان ماهى الا محاولات مكشوفة وسنواجهها بكل الوسائل المشروعة»، وفق نص البيان
وأبرز البيان ان التشريعات الليبية تنص على تجريم ظاهرة الهجرة غير الشرعية وبالتالي فان اي تعريف آخر يعتبر مخالفا للقانون الليبي وعلى السلطات القضائية والرقابية محاسبة أية جهة ليبية سواء حكومية او غير حكومية تستعمل غير هذا المصطلح، ودعا الى فتح تحقيق عاجل في كل ما يحدث بخصوص ما يدور عن مشروع التوطين المزعوم وإرسال لجان الى الجنوب للاطلاع على أرض الواقع وإحالة المتورطين إلى القضاء مع ضرورة الكشف عن نتائج هذه التحقيقات ، مشددا على ضرورة مطالبة الاتحاد الأفريقي للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية بشكل أنساني بعيدا عن السياسة ومساعدة دول المصدر من خلال مشاريع تنموية تحد من الهجرة فير الشرعية وتوفر للمهاجرين فرص عمل في دولهم وليس فى دول العبور.
وبدورها ،أعلنت الهيئة الوطنية لمشايخ وأعيان ومؤسسات المجتمع المدني فرع فزان، عن رفضها لأي حلول تلفيقية لمشكلة الهجرة غير الشرعية، ونادت بتفعيل اتفاقية الصداقة الإيطالية الليبية، الموقعة عام 2008، وبنقل إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية وقوات حرس الحدود، إلى المناطق الحدودية الجنوبية مشيرة أن على الحكومة الإيطالية والاتحاد الأوروبي، تنفيذ مشاريع تحد من الهجرة على أراضي المصدر، وتفعيل اتفاقية الصداقة الإيطالية الليبية.
وجدد تجمع «من أجلك فزان» رفض أي مشروع أو اتفاقية تسعى إلى توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا لما فيه من تهديد للاستقرار والأمن في البلاد، وقال في بيان له، إن التعامل مع مسألة المهاجرين يكون بشكل إنساني ومنطقي وحل هذه المسالة بالتعاون مع الجهات الدولية، معتبرا أن العمل على توطين المهاجرين يمس السيادة الوطنية ويشكل خطرا على الأمن القومي للبلاد.
ويرى المراقبون أن السجال الحاد حول إمكانية توطين المهاجرين غير الشرعيين، يعود الى وجود مؤشرات مهمة على جدية الموضوع المطروح للنقاش على أكثر من صعيد، لاسيما في ظل التطورات السياسية والعسكرية والأمنية التي تشهدها دول الساحل الافريقي وآخرها الحرب في السودان والانقلاب العسكري في النيجر
وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، أكد الأسبوع الماضي ، أن رؤية ليبيا لا تتضمن أي اقتراح لتوطين المهاجرين في مناطق العبور، لافتا الى إن “بلاده ستطالب بحق ليبيا في الحصول على الدعم الدولي في ملف الهجرة أمنيا وسياسيا وماديا”.
وأوضح الدبيبة، إن بلاده لن تكون بلد توطين للمهاجرين غير النظاميين، داعيا في الوقت ذاته إلى التعامل الإنساني معهم والتنسيق مع تونس لإرجاعهم إلى دولهم، مشددا على ضرورة توحيد الجهود الوطنية تجاه ملف الهجرة في كافة التفاصيل المتعلقة به.
كما حذرت الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، من توطين المهاجرين في ليبيا تحت أي مسمى، وأكدت إنها “ستتصدى لأي محاولات في هذا الشأن، وستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال أي طرف يثبت تورطه في أي ترتيبات خاصة بهذا الملف”.
ومن جانبها، رفضت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب خطط توطين المهاجرين غير النظاميين على الأراضي الليبية، مؤكدة أن ليبيا دولة عبور وليس مقصد للمهاجرين، ولا يمكن لها أن تحل أزمة المهاجرين نيابة عن العالم وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتحمل المسؤولية.
والخميس الماضي، دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، إلى إيجاد حل عاجل للمهاجرين غير النظاميين العالقين على الحدود التونسية الليبية، وهو ما أعاد الى أذهان الليبيين الدعوات التي تم إطلاقها منذ أشهر للعمل على تحويل الجنوب الليبي الى أرض لتوطين المهاجرين غير النظاميين.
واتسعت دائرة الجدل في ليبيا منذ أن أطلقت منظمة “آرا باتشي” الإيطالية للسلام في ليبيا مبادرة بالشراكة مع المركز الدولي للدراسات الزراعية المتقدمة بالبحر المتوسط “سيام باري” ضمن ما قالت إنه مشروع يتعلق بإنشاء مركز الصحراء للسلام في ليبيا، يستهدف تعزيز قطاع الزراعة والعمالة الزراعية ودعم اندماج السكان المحليين ومجتمعات المهاجرين في المنطقة.
وأعلن مجلس الأمن القومي الليبي رفضه لأية مشاريع تمس القضايا المتعلقة بالأمن القومي، وعلى رأسها قضايا الهجرة، وقال في بيان، إنه تابع المبادرة التي أطلقتها المنظمة الإيطالية ويرحب بالمشاريع كافة التي تهدف إلى المشاركة في تنمية بعض القطاعات المحلية في ليبيا، لكنه يحذر من المشاريع التي تمس السلم الاجتماعي الليبي مثل قضايا الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين.
وبحسب أوساط ليبية مطلعة ، فإن توطين المهاجرين غير النظاميين لن يحظى بالقبول في ليبيا نتيجة الرفض الشعبي الذي انعكس على الموقف الرسمي سواء في شرق البلاد أو في غربها، وكذلك نتيجة تعبير السلطات الحكومية على إستعدادها لتأمين إعادة كل المهاجرين الى بلدانهم الأصلية وهو ما بدأت في تنفيذها فعلا من خلال رحلات جوية الى عدد من العواصم الافريقية.