ضعف شبكة النقل التونسية مع ليبيا والجزائر يعرقل تعزيز التبادل التجاري


خالد هدوي
صحافي تونسي
تونس – تسعى تونس إلى حل المعضلات المرتبطة بشبكة النقل الضعيفة لتعزيز التبادل التجاري بينها وبين جارتيها، الجزائر وليبيا، وذلك في وقت تشهد فيه البلاد واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية.
وأعلنت الخطوط التونسية عن افتتاح خطّ جوي جديد من مطار قرطاج الدولي في اتجاه مطار قسنطينة محمد بوضياف الجزائري، بداية من الثاني عشر من مارس الجاري، في محاولة لتوسيع شبكة رحلاتها الدولية القريبة.
وذكرت في بيان لها أن “الهدف من فتح هذا الخط، الذي سيعمل في مرحلة أولى بمعدل رحلة واحدة كل يوم سبت، دعم التبادل بين البلدين وتقريب الشرق الجزائري من العاصمة التونسية، بالإضافة إلى دعم السياحة، خاصة خلال ذروة الصيف”.
ويبلغ حجم المبادلات التجارية الجزائرية – التونسية 1.7 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار صادرات جزائرية لتونس، أغلبها من المحروقات ومشتقاتها، و400 مليون دولار صادرات تونسية للجزائر تتمثل في تجهيزات كهربائية ومواد ميكانيكية، وفقا لأرقام كشفت عنها السفارة التونسية بالجزائر لوسائل إعلام.
وتسعى تونس والجزائر لتفعيل الاتفاق التجاري التفاضلي الموقع بين الطرفين سنة 2008، والذي دخل حيز التنفيذ سنة 2014 من خلال توسيع الاستثمارات بين الطرفين، حيث يبلغ عدد المتعاملين الاقتصاديين بتونس اليوم 600 شركة أغلبها شركات صغيرة ومتوسطة، في حين تنشط في السوق التونسية 60 شركة جزائرية معظمها تشتغل في قطاع النسيج والجلود.
وتعد ليبيا ثاني شريك اقتصادي لتونس بعد الاتحاد الأوروبي، كما كانت تحويلات قرابة 150 ألف تونسي، كانوا يشتغلون في ليبيا قبل سنة 2010، تبلغ نحو 60 مليون دينار تونسي (21.9 مليون دولار) في الشهر.
وتستقطب ليبيا ما يقارب 70 في المئة من مجموع الصادرات التونسية، لكن حجم تلك الصادرات تراجع في السنوات الأخيرة تبعا لغلق الحدود مع ليبيا، التي شهدت صراعا مسلحا عقب الإطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي.
وتشهد ليبيا مسارات لإعادة الإعمار على مستويات عدة، منها الاقتصادي والصناعي والبنية التحتية، ما يثير تساؤلات عن فرص الاستفادة من ذلك.
ويوجد ما يشبه الإجماع من المتابعين، على أن تونس تفتقر لمنظومة لوجستية قوية من شأنها أن تساعد على تطوير مستويات التعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات مع ليبيا والجزائر، وسط دعوات إلى ضرورة توفر الإرادة السياسية اللازمة لتطوير العلاقات التجارية وتفعيل الاتفاقيات المبرمة بينها.
وأفاد وزير التكوين المهني والتشغيل الأسبق فوزي بن عبدالرحمن بأن “المنظومة اللوجستية في تونس ضعيفة، ولا نملك مخططا لإنشاء مناطق لوجستية، باستثناء عدد من الموانئ الساحلية ومطار قرطاج، وتفتقر المحافظات الداخلية لبنية تحتية متطوّرة، وهذا التصور يندرج في إطار التهيئة الترابية والعمرانية، وهو عامل مهمّ في خلق الثروة”.
وأضاف لـ”العرب”، “لا نملك سياسات واضحة، ومؤسساتنا لا تملك القدرة التنافسية بسبب ضعف الجانب اللوجستي، فضلا عن غياب الإرادة السياسية الثلاثية (في تونس وليبيا والجزائر)”.
وتابع “لا توجد نظرة استشرافية لاندماج مغاربي أيضا بين مكونات اتحاد المغرب العربي، وهناك اتفاقيات بسيطة لنقل البضائع والأشخاص، والسلطات السياسية في تونس وليبيا والجزائر لا تحترم هذه الاتفاقيات، ولاحظنا في الكثير من الأحيان غلق المعابر الحدودية”.
وأردف عبدالرحمن “نسبة التبادل التجاري بين تونس والجزائر ضعيفة جدا مقارنة مع الاتحاد الأوروبي، ويفترض أن تكون هناك مناطق لوجستية على الشريط الحدودي، أو منطقة اقتصادية للتبادل التجاري (سوق مشتركة بين تونس والجزائر أو بين تونس وليبيا)”.
ويبدو أن الوضع الداخلي المأزوم له تداعيات على وضع خدمات النقل التونسي وعلاقته بدول الجوار، حيث يواجه قطاع النقل الجوي والبري والبحري أزمة مالية غير مسبوقة، بسبب تراكم ديون الشركات وفائض العمالة وقلة الموارد، ما يهدد العديد منها بالإفلاس وينذر بانهيار كامل القطاع الذي يعد من بين أهم القطاعات الحيوية الموجهة للمواطنين.
وتعود ملكية حوالي 70 في المئة من النقل إلى القطاع العام، ويتكون أساسا من ثلاثة ميادين رئيسية، هي النقل البري والنقل البحري والنقل الجوي.
وتواجه الشركات الحكومية التونسية، على غرار الخطوط الجوية، مصاعب بسبب تراكم الديون والخسائر، في ظل غياب الاستقرار السياسي في البلاد وأعباء التوظيف العشوائي، في أزمة فاقمها تفشي وباء كورونا.
الشركات الحكومية التونسية، على غرار الخطوط الجوية، تواجه مصاعب بسبب تراكم الديون والخسائر، في ظل غياب الاستقرار السياسي في البلاد
وتدير الحكومة التونسية نحو 110 شركات تنشط في قطاعات النقل والصناعة والخدمات. ومنذ عام 2011 تفاقمت أعباء هذه الشركات، خاصة “الخطوط الجوية” و”فوسفات قفصة” اللتين كانتا مصدرين مهمين للعملة الصعبة لخزائن الدولة.
واستنكر عبدالرحمن “غياب خط بحري يربط مدينة مصراتة الليبية بتونس، ما من شأنه أن يطوّر مستويات التبادل التجاري”، لافتا إلى أن “الحكومات المتعاقبة بعد 2011، غلبت عليها أيديولوجيا الحزب الإسلامي، ولم تتوفر لديها إرادة سياسية، وهي أيضا كانت مرفوضة في المنطقة، علاوة عن عدم وجود مشروع سياسي مشترك في التصورات والأهداف، وغياب التشريعات وتفعيل الاتفاقيات”.
واستطرد “تونس والجزائر من أكبر الموردين للحبوب في العالم، ومن الضروري أن يتم التفكير في حل المشكلة بطريقة ثنائية عبر إنتاج الحبوب في مناطق حدودية مشتركة”.
وتراجع رقم معاملات الخطوط التونسية سنة 2020 بحوالي 70 في المئة (حوالي 340 مليون يورو) بسبب وباء كورونا، ونزل عدد المسافرين إلى مستوى مليون مسافر، فيما وصلت ديونها إلى 955 مليون دينار (346.45 مليون دولار).
وثمّة شبه إجماع على أن ميزانية الدولة لوزارة النقل لا تغطي تمويل المشاريع في العديد من المجالات، خاصة برامج تجديد أسطول الحافلات ومعدات النقل الحديدي للمسافرين ونقل الفوسفات ومشاريع تهيئة مراكز الفحص الفني، ومحطات النقل البري والبنية التحتية للمطارات والموانئ وتجديد أسطول النقل الجوي والبحري.
وتكثفت الدعوات المطالبة بضرورة استقطاب استثمارات كبرى وتوسيع مجال المعابر، علاوة على عدم الاقتصار على النقل البري وتفعيل النقل البحري والجوي وخلق خطوط جديدة.
وتعتبر المبادلات على مستوى المغرب العربي، ضعيفة أيضا بسبب التطورات السياسية والمالية وضعف شبكة النقل بين البلدان.
وساهمت الزيارة الأخيرة للرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر في تحريك العديد من المشاريع الاقتصادية الحيوية بين البلدين، من أجل رفع نسبة التبادل التجاري، في انتظار التفعيل الحقيقي.
وفضلا عن المشاريع الاقتصادية والتجارية بين البلدين وآليات رفع المشاريع الاستثمارية بين الطرفين، تطرق الجانبان إلى إمكانية فتح مكاتب صرف لتحويل العملة على الحدود الجزائرية – التونسية، حيث تتم مناقشة الملف بشكل رسمي وبالتنسيق مع السلطات الجزائرية، كما تتم دراسة اعتماد الدينار الجزائري رسميا كعملة للبيع والشراء في السوق التونسية.