في الذكرى السابعة عشرة لوفاة والدي العزيز الحاج أحمد الصالحين الهوني
محمد الهوني
تمر اليوم الذكرى السابعة عشرة لوفاة والدي العزيز الحاج أحمد الصالحين الهوني الذي غادرنا في 18 ابريل 2006 عن عمر ناهز 77 عاما تاركا وراءه الصيت الحسن والثناء الواسع وإرثا خالدا من التجارب والمواقف والرؤى التب بؤأته مكانة مهمة بين أحبابه ومزيديه وفي ضمير وطنه وأمته
كان رحمه الله نخلة شامخة من واحات ليبيا ، جذعها أصيل وظلها ظليل وعطاؤها جزيل. لقد جمع بين هويته الليبية وعقيدته العروبية الإسلامية وسجيته الإنسانية ، واستطاع أن يحيط به المريدين من جميع الدول العربية في مدرسة «العرب» التي أحاطها بعظيم الوفاء وصادق الانتماء وسيّجها بأسمى المبادئ والقيم وبالشموخ والشمم، فما رأيناه إلا وهو يدافع عن قناعاته دون هوادة ، ويجعل من صوته صوتا لمن لا صوت له، وكان صاحب الموقف الجريء الذي إتخذ من بيت المتنبي شعارا له :الرأي قبل شجاعة الشجعان \ هو أول وهي المحل الثاني.
عاش رحمه الله حياته بالطول والعرض في مضمار الاعلام ناشطا ومؤسسا ووزيرا للإعلام من خلال آخر حكومتين في العهد الملكي وهما حكومتا عبد الحميد البكوش وونيس القذافي وأشرف على مرحلة ثرية من العطاء الفنس والثقافي شهدت إطلاق التلفزيون الليبي والإرتقاء بالعمل الإذاعي وإحداث حركة واسعة في مجال النشر والتوزيع والرفع من مستويات دعم الدولة للفنون والأداب.
أجزل لأسرته من وافر المحبة والحنان والعطاء والنقاء ما جعل منه ربّ أسرة مثاليّا وقائدا نبيلا وأصيلا لأبنائه، فما رأينا منه إلا المشاعر النقيّة، والمكارم السخيّة، والنفس الأبيّة، والصدق في المواقف، والطيب في الكلمات، والصمود في الأزمات، والصبر في الملمّات، وحمد الله وشكره في كل الظروف والأوقات، وقد حمل معه تلك المزايا والسجايا في جميع دروب الحياة التي خاضها في مسيرته السياسية والحكومية وفي رحلته الصحفية من خلال صحيفة «العرب» التي أسسها لتكون أول صحيفة عربية تصدر من عاصمة غربية منذ يونيو 1977 ، جامعة حولها عشرات الصحفيين والكتاب العرب ضمن مشروع سرعان ما انتشر عطاؤه على أكثر من صعيد ، حيث أراد للصحيفة أن تكون نافذه العرب على العالم ونافذة العالم على العرب، ورغم ضعف الإمكانيات الذاتية ، إلا أن النجاح يأتي من أهمية الفكرة ، والتميز ينتج عن قيمة المبادرة ووضوح الرؤية ، والاستمرارية لا تتحقق إلا بالصدق في التعاطي مع الواقع ، والقدرة على الاستشراف.
ورغم إختلاف الظروف لا يزال أبناؤه وتلامذته ومحبوه يسيرون على دربه، متشبثين بمسيرته، لا يتنازلون عن إرثه ورسالته ، يضحون في سبيل أن يحافظوا على ثمرة حياته الصحفية وهي جريدة « العرب » التي لا تزال تصدر بإنتظام، وفي ذلك أعمق وأصدق تحية لروحه الخالدة.
لم يكن الوالد رجل إعلام وسياسة فقط. كان إنسانا واسع الأفق والرؤية، وكان عروبيا متجذرا في عروبته من المحيط الى الخليج ، و مسلما بروح صوفية هادئة، ميالا إلى الهدوء والسكينة وسلام النفس، وكان أبا ودودا طيبا وربّ أسرة حنونا وحانيا، وكريما يمد يده للجميع بأصالة ابن البادية المجبول على النقاء والعطاء، وقد اتسعت أسرته إلى كل العالم العربي من خلال أبناء ليسوا من صلبه، ولكنه احتضنهم في “العرب” فوجدوا فيه نعم الأب والأخ الأكبر والصديق والرفيق والسند والمدد وقت اللزوم.
كان حتى آخر أيام حياته الأب الحبيب والوالد الحاني والمؤّسس والباني والمعلّم والأستاذ والكاتب والصحفي المرموق ، وكل من عرفوه عن قرب يذكرون إسمه بمزيد من التقدير والإحترام والعرفان، فله إن شاء الله، الرحمة والغفران وفسيح الجنان والمقام الرفيع الى جانب الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين ومن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.