كيف تحالف الدبيبة مع الإخوان للإطاحة بالمشري من رئاسة مجلس الدولة؟

طرأ تغيير مهم على المشهد السياسي الليبي من خلال الإطاحة بأحد أبرز رموزه وهو خالد المشري من رئاسة مجلس الدولة الاستشاري بعد خمس سنوات كان له فيها تأثير واضح في مجريات الأحداث بالبلاد في أبعادها السياسية والاجتماعية وفي خلفياتها الإيديولوجية وفي سياقات الاستقطاعات الداخلية والتحالفات الإقليمية والدولية
وفاجأت الإطاحة بالمشري أغلب المراقبين والمتابعين للشأن السياسي الليبي، فيما بررت أوساط مطلعة باتفاق حصل خلال الأيام القليلة الماضية بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وقيادة حزب العدالة والبناء، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، بمشاركة عدد من الشخصيات المؤثرة في طرابلس ومصراتة، وكان الهدف من ورائه قطع الطريق أمام التوافقات الأخيرة الحاصلة بين المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح بخصوص التعديل الدستوري الثالث عشر ومخرجات لجنة 6+6 المتعلقة بالقانون الانتخابي وفي مقدمتها البند المتعلق بتشكيل حكومة انتقالية مصغرة لقيادة المرحلة القادمة والإشراف على تنظيم الانتخابات.
وآلت رئاسة مجلس الدولة للدورة القادمة، الى المهندس محمد تكالة الذي ينتمي بدوره الى حزب العدالة والبناء، وهو ما يشير الى أن المجلس لا يزال تحت سيطرة تيار الإسلام السياسي، رغم الانقسامات الحاصلة داخل جماعة الإخوان، والتي أدت خلال السنوات الماضية الى عزلة التنظيم وفقدانه ما كان يحظى به سابقا من قبول شعبي.
وفي الجولة الأولى من الانتخابات تحت قبة مجلس الدولة بطرابلس ، والتي شارك فيها 129 عضوا، حصل المشري على 49 صوتا وتكالة على 39، فيما حصلت المرشحة نعيمة الحامي على 4 أصوات، والمرشح ناجي مختار على 36 صوتا، وصوت عضوان بورقتين بيضاوين، وفي جولة الإعادة ،احتدت المنافسة بين المترشحين الأول والثاني، وفاز تكالة بحصوله على 67 صوتا فيما حصل خالد المشري على 62 صوتا.
ومحمد تكالة من مواليد 15 يناير 1966 بمدينة الخمس الواقعة شرق مدينة طرابلس بحوالي 135 كم، وحاصل على بكالوريوس هندسة الحاسوب من المعهد العالي للإلكترونيات ببني وليد في العام 1986، ثم ماجستير الحاسوب من الجامعة التقنية في براغ – بلجيكا 30 يوليو 1997، ودرجة الدكتوراه في شبكات الحاسوب من الجامعة التقنية ببودابست 14 فبراير 2008.
وخلال مسيرته المهنية، عمل بين العامين 2008 و2012 عضو هيئة تدريس في كلية الهندسة الخمس. وأيضًا عميدا لكلية الهندسة الخمس بين العامين 2011 و2012.
وبدأ تكالة مسيرته السياسية في الأول من أكتوبر 2011 كعضو بالمجلس المحلي للخمس وبرز بالخصوص بعد تكليفه بالأشراف على قطاع المرافق حتى 2012 ، وفي نفس العام تم انتخابه عضوا في المؤتمر الوطني العام ،ليشغل منصب عضو مكتب الرئاسة ومراقب المؤتمر وليشارك في لجان مؤقتة حتى العام 2015 عندما ساهم في المفاوضات السياسية التي نتج عنها اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر 2015، وكان من أبرز مخرجاته تشكيل مجلس الدولة لإعادة تدوير المؤتمر الوطني العام.
انضم تكالة آليا الى مجلس الدولة، وشارك في لجنة إعداد لائحته الداخلية، وتولى رئاسة لجنة تطوير المشروعات الاقتصادية، ثم مثّل المجلس الأعلى في حوارات بتونس وجنيف وترأس فريق المجلس في حوارات جنيف التي انبثقت عنها السلطة التنفيذية الحالية ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية كما عمل تكالة عضوا للجنة الخدمات بمجلس الدولة ثم رئيسا لفريقه لإعداد خارطة الطريق في العام 2022.
ورغم تعدد المسؤوليات التي تولاها تكالة خلال السنوات الماضية، إلا كان يتحرك في صمت، وبعيدا عن الأضواء، الى أن تم انتخابه أول أمس الأحد رئيسا لمجلس الدولة، وذلك بعد مشاورات جرت على أكثر من صعيد، وتوافقات كانت تستهدف بالأساس المسار التوافقي بين الرئيس السابق للمجلس خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
وكان الدبيبة أول المهنئين لتكالة بتوليه رئاسة مجلس الدولة، وقال في تغريدة على موقع «تويتر» : «أشد على يده ليكون للمجلس دور منحاز لإرادة الليبيين بإجراء انتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية» ثم اتصل به هاتفيا للتعبير له عن مساندته الكاملة وثقته في المكتب الجديد لمجلس الدولة.
ويعتبر تكالة من أشد الرافضين للتعديل الدستور الثالث عشر الذي تشكلت بموجبه لجنة 6+6 المكونة من مجلسي النواب والدولة لكتابة القوانين الانتخابية ، ومن المحسوبين على التيار المساند للدبيبة سواء داخل مجلس الدولة أو داخل جماعة الإخوان، وهو ما أدى الى توتر في علاقاته بالمشري وصل الى حد التلاسن وتبادل الاتهامات.
والأسبوع الماضي، وجه الدبيبة ردا قويا لرئيسي مجلسي النواب والدولة بعد اعتمادها خارطة طريق تقضي بتشكيل حكومة جديدة موحدة لتتولى تسيير الانتخابات القادمة، وقال في كلمة له في اجتماع الحكومة بمدينة غدامس، إن الانتخابات هي محطة مهمة لانتقال ليبيا إلى تاريخ جديد يؤسس للتداول السلمي للسلطة، مضيفا أنه يمد يده لجميع من يرغب في السلام والاستقرار، للوصول إلى انتخابات حقيقية وعادلة، وفق قوله. وأكد الدبيبة خلال الاجتماع، أنه لن تكون هناك مراحل أخرى، ولا حكومات موازية، ولا ميزانيات وهمية، وفق وصفه. قائلاً إن كل من يحاول العبث باختراع مناورات جديدة للتمديد هدفه إفساد حالة الاستقرار وإفشال الانتخابات.
وشهدا العلاقة بين الدبيبة ومجلس الدولة حالة من الاحتقان، وصلت الى درجة منع عدد من أعضاء المجلس من السفر وسحب جوازاتهم من قبل جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة، ورد المشري على ذلك بالقول، إنه بعد تصويت مجلس الدولة على خريطة الطريق، التي تتضمن تغيير الحكومة، “جنّ جنون الحكومة والقوى المسيطرة بسلطة الأمر الواقع، وطلبت من الأجهزة الأمنية التابعة لها عرقلة جهود المجلس، لأنه يسعى لإيجاد حكومة موحدة، واليوم منع عدد من أعضاء مجلس الدولة كانوا ذاهبين إلى تركيا في مهمة رسمية من السفر، وجرت مصادرة جوازاتهم”. متهما الدبيبة بأنه “يوهم الناس بأنه لا يريد الحروب، وهو أكثر شخص يسعى لحرب للبقاء في منصبه وإنفاق المال بلا حسيب أو رقيب”.
وبعد تدهور العلاقات بين الرجلين، كان على الدبيبة الحسم نهائيا في وضعية المشري والإطاحة به من مجلس الدولة، وعقد تحالفات من أجل ذلك، والمجيء بقيادة جديدة للمجلس غير قابلة للتوافق مع مجلس النواب في إتجاهات تتناقض مع مصلحة حكومة الوحدة المنتهية صلاحياتها وحلفائها وأصحاب المصلحة من تأخير الإنتخابات الى أجل غير مسمى.
وقبل ساعات من انتخاب تكالة ريسا جديدا لمجلس الدولة، قال الحراك المدني لإعادة الشرعية للشعب، المساند لحكومة الدبيبة، إنه يحمل أعضاء مجلس الدولة مسؤولية ما ستؤول إليه المنطقة الغربية في حال إعادة انتخاب خالد المشري، وأضاف أنه لن يعترف بأي خارطة طريق يعتمدها مجلس الدولة سواء كانت بطرق شرعية أو غير شرعية، معلنا أنه لن يقبل إلا بخارطة طريق متكاملة تؤسس للمرحلة النهائية عمادها الانتخابات النيابية فقط.
وأضاف الحراك أنه سيكون له مواقف حازمة من المجلس بكافة الطرق القانونية ،داعيا المؤسسات القضائية والدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الى ممارسة اختصاصها ، ومتهما المشري بالانحراف والتخلي عن أهم ثوابت الدولة المدنية، بإتاحته ترشح من مارس القمع لإجهاض ثورة فبراير لرئاسة ليبيا، وفق نص البيان
وكانت رسالة الحراك واضحة في تعبيرها عن موقف الدبيبة والأطراف المساندة له ، فيما تحدثت أوساط مطلعة عن أدوار تركية وإيطالية في الإطاحة بالمشري، وعن توافق تام بين جماعة الإخوان وتيار رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني وعدد من أمراء الحرب وقادة الميلشيات على ضرورة إحداث تغيير على رأس مجلس الدولة، وذلك بهدف إعادة خلط الأوراق على المسارين السياسي والانتخابي وإلغاء الاتفاقات الحاصلة بين مجلسي النواب والدولة وفي صلب لجنة 6+6، وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
وأشاد سفير أمريكا ومبعوثها الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند بالعملية الانتخابية التي جرت في أجواء ديمقراطية عالية النزاهة، ترسخ لمستقبل ديمقراطي واعد في ليبيا، فيما أكد له تكاله، في اتصال هاتفي، عزمه قيادة المجلس للعب دوراَ فعالاَ في ارساء دعائم مفهوم التداول السلمي على السلطة، وصولا إلى تحقيق حلم كل الليبيين في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تسبقها عملية توحيد مؤسسات الدولة كافة، تأتي على غرار مصالحة شاملة بين أبناء الشعب الليبي في كل ربوع البلاد، وفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي.
وكان نورلاند قد أعرب عن دعمه لموقف المبعوث الأممي عبد الله باتيلي من التوافق الحاصل بين صالح والمشري ، والذي تأكد من خلال بين بعثة الأمم المتحدة عندما حذرت من أن أي إجراءات أحادية، على غرار محاولات سابقة في الماضي، يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على ليبيا، وتتسبب في مزيد عدم الاستقرار وإثارة العنف، وأشارت إلى أن البلاد تعاني بالأساس انقسامات عميقة، مشيرة الى أن مثل هذه التحركات من شأنها أن تعمق حدة التجاذبات في أوساط الليبيين الذين يرزحون تحت وطأة المعاناة منذ أكثر من عقد.
ومن جانبها، شددت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، في بيان مشترك، على دعمها موقف باتيلي بضرورة معالجة جميع العناصر المتنازع عليها في الإطار الانتخابي، لجعلها قابلة للتنفيذ.
وكان واضحا أن بعثة الأمم المتحدة والعواصم الغربية تدعم موقف الدبيبة للبقاء في الحكم الى حين تنظيم انتخابات برلمانية العام القادم مع إمكانية إدخال تعديلات على الحكومة الحالية، وتأجيل الاستحقاق الرئاسي الى حين تحقيق أوسع قاعدة من التوافقات السياسية والاجتماعية في البلاد
وفي الأثناء، يرى البعض من المحللين، أن كلما يجري حاليا يعكس انسجاما في المواقف بين الدبيبة وفريقه بالمنطقة الغربية وقيادة الجيش في بنغازي، لاسيما في ظل الاجتماعات المتواصلة بين ممثلي الطرفين، وظهور رغبة مشتركة بينهما لاستبعاد الانتخابات وبقاء الوضع على ما هو عليه طالما أن النفط يتدفق والإيرادات توزع على أصحاب القرار من الجانبين.