ليبيا الغارقة في العجز تواجه معضلة تمويل الموازنة
طبرق (ليبيا) – تواجه الحكومة الليبية المكلفة برئاسة فتحي باشاغا معضلة توفير التمويل اللازم لموازنة هذا العام بعدما أقرها البرلمان، وهو ما قد ينعكس على حياة الناس المنهكين أصلا منذ سنوات بسبب الانقسام السياسي.
وأقر البرلمان الذي يتخذ من مدينة طبرق شرق البلاد مقرا له الأربعاء الماضي الموازنة العامة للدولة الغارقة في العجز، بقيمة تجاوزت 89 مليار دينار (19 مليار دولار) حيث تستأثر الأجور لوحدها بقرابة نصف المخصصات.
وذكر الناطق باسم البرلمان عبدالله بليحق في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك أن إقرار الموازنة تم بالإجماع بعدد بلغ 103 من النواب.
وتم تقسيم الموازنة إلى أربعة بنود تتضمن الرواتب بواقع 8.7 مليار دولار، بينما بلغت نفقات الدعم نحو 5.6 مليار دولار. أما برامج التنمية وإعادة الإعمار فيبلغ حجم مخصصاتها 3.7 مليار دولار، في حين بلغ حجم النفقات التسييرية 1.8 مليار دولار.
ويهدد الخلاف الدائر بشأن تولي الحكم والسيطرة على إيرادات الدولة، وأيضا بشأن حل سياسي يضع حدا للفوضى والعنف المستمرين منذ 11 عاما، بإعادة ليبيا إلى الانقسام الإداري والحرب.
ففي طرابلس يرفض عبدالحميد الدبيبة، الذي تم تعيينه العام الماضي رئيسا لحكومة وحدة مؤقتة عبر عملية مدعومة من الأمم المتحدة، تعيين البرلمان لباشاغا ويقول إنه لن يستقيل إلا بعد إجراء انتخابات.
ويمول المركزي في طرابلس حكومة الدبيبة، وهو جهة الإيداع الوحيدة المعترف بها دوليا لعائدات النفط في البلاد.
ومع ذلك، فإن البنك يدفع أيضا رواتب لموظفين عبر الطيف السياسي الليبي المنقسم، بما يشمل رواتب مقاتلين من أطراف مختلفة في الصراع، بموجب اتفاقيات سابقة.
وحتى الآن لم يعلن المركزي في طرابلس، موقفه عن قدرته على تمويل الموازنة وسط انقسام بين حكومتين واستمرار إغلاق النفط.
وتشهد ليبيا البلد العضو في منظمة أوبك والتي تعتمد بشكل مفرط على عوائد النفط لإدارة شؤون الدولة موجة من الإغلاقات لعدد من المنشآت النفطية، تسببت في خسارة أكثر من نصف الإنتاج.
ويفوّت الشلل الذي ضرب قطاع الطاقة منذ أسابيع على الدولة جني المزيد من الإيرادات خاصة وأن الفرصة مواتية لتحقيق مستوى أعلى من الاحتياطات النقدية بفضل ارتفاع أسعار الخام في الأسواق الدولية بفعل الحرب في شرق أوروبا.
ونسبت رويترز إلى متحدث باسم وزارة النفط لم تذكر هويته قوله الثلاثاء الماضي إن الإنتاج يتراوح حاليا بين 100 ألف و150 ألف برميل يوميا، وهو جزء صغير من مستوياته المعتادة.
ليبيا البلد العضو في منظمة أوبك تشهد موجة من الإغلاقات لعدد من المنشآت النفطية، تسببت في خسارة أكثر من نصف الإنتاج
وبلغ إنتاج النفط الليبي العام الماضي أكثر من 1.2 مليون برميل يوميا، لكن انخفاض الإنتاج الآن يضاف إلى الضغوط على الأسواق التي تعاني بالفعل من شح في الإمدادات من منتجين آخرين.
وتقدر مصادر محلية بالقطاع الخسائر اليومية في إيرادات التصدير أنها تتراوح بين 70 و80 مليون دولار كنتيجة للإغلاقات.
ويُظهر الخلاف السياسي علامات على التصعيد، ما يجعل أيّ عودة سريعة للنفط الليبي إلى الأسواق العالمية غير مؤكدة.
وكان الإنتاج في الشرارة، أكبر الحقول في ليبيا، قد استؤنف لفترة وجيرة الأسبوع الماضي قبل أن يجري إغلاقه مجددا.
والوضع الحالي لبضع منشآت ما زال غير واضح عندما قالت جماعات إنها أغلقت ميناءي السدرة ورأس لانوف وهددت بإغلاق ميناء الحريقة، مما يؤدي لانخفاض في الإنتاج من حقل السرير.
ورغم تلك البيانات، سُمح لناقلة بأن تستكمل التحميل في ميناء السدرة الخميس الماضي وسمح لأخرى بأن ترسو الثلاثاء الماضي رغم أنه لم يتضح ما إذا كان قد سمح لها بالتحميل.
وكانت ليبيا منقسمة بين عامي 2014 و2020 بين فصائل شرقية وغربية متناحرة مع وجود حكومة موازية تشكلت في الشرق ولديها مؤسساتها الحكومية الخاصة التي تشمل بنكا مركزيا.
ويُنظر إلى الجهود المبذولة لإعادة توحيد النظام المالي والقطاع المصرفي على أنها جوهرية لإنهاء دوافع اقتصادية كامنة وراء الصراع، وكانت بمثابة قوة دفع رئيسية للدبلوماسية الدولية، لكنها تتقدم ببطء.
وإذا رفض المركزي في طرابلس تمويل موازنة حكومة باشاغا، فقد يطلب البرلمان من رئيس الفرع الشرقي للمركزي توفير التمويل. ومن شأن ذلك أن ينهي فعليا عملية إعادة توحيد البنك.
وفي الآونة الأخيرة، شهدت ليبيا شحا في إمدادات البعض من السلع الغذائية، إذ تشكل الواردات ما يصل إلى 90 في المئة من استهلاك الحبوب بشكل عام.
وتشير هذه الأرقام إلى ضعف جيوسياسي كبير، مما أدى إلى إغلاق العشرات من المخابز، بينما رفعت أخرى والتي ظلت تعمل بسعر البيع لأكثر من أربعة أضعاف.
لكن المتضرر الأكبر، بحسب المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تقرير تحصلت “العرب” على نسخة منه، هو الجنوب الليبي حيث يمر بأزمة اقتصادية صعبة، بسبب نقص السلع الغذائية وجراء وقف شحنات الإمداد التي تأتي من الغرب لتزويد المدن بحاجاتها.
وتستورد ليبيا نصف استهلاكها السنوي من القمح البالغ نحو 1.3 مليون طن من روسيا وأوكرانيا، فيما شرعت في البحث عن أسواق بديلة لاحتياجاتها من الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وأوروغواي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي استمرار ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم في ليبيا خلال هذا العام ليصل إلى 3.7 في المئة على أن ينزل العام المقبل إلى 2.4 في المئة.
وذكر الصندوق في تقرير نشره في أبريل الماضي بعنوان “التوقعات الاقتصادية العالمية 2022” أن “موثوقية البيانات الليبية خاصة فيما يتعلق بالحسابات والتوقعات متوسطة الأجل منخفضة على خلفية الحرب وضعف القدرات”.
ومن المرجح أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الليبي 3.5 في المئة هذا العام على أن يرتفع إلى 4.4 في المئة في 2023 وينزل إلى حدود 3.6 في المئة في 2027.