مؤتمر إقليمي حول الهجرة محور اتصال قيس سعيد بماكرون وميلوني

تونس: يسعى الرئيس التونسي قيس سعيد لإقناع شركاء إقليميين، وخاصة من الدول الأوروبية، بمبادرته لعقد مؤتمر لحل قضايا الهجرة غير النظامية وطرق معالجتها بعيدا عن التصريحات والاتهامات، وخاصة بعيدا عن تحميل المسؤولية لدول جنوب المتوسط ومطالبتها بالتصدي لموجات اللاجئين دون دعم عملي لها.
وقال بيان للرئاسة التونسية على فيسبوك إن الرئيس سعيد أجرى اتصالين الجمعة والسبت على التوالي برئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأن موضوع الهجرة كان على رأس القضايا التي تم نقاشها.
وأشارت الرئاسة التونسية إلى أن اتصال قيس سعيد بماكرون ناقش مجموعة من القضايا من بينها خاصة مسألة الهجرة غير النظامية.
وشدد الرئيس التونسي، وفق البيان، على أن “الحلول لا يمكن أن تكون أمنية فقط بعد أن أثبتت التجربة أنها غير ناجعة فضلا عن أن تونس لم تعد فقط منطقة عبور بل صارت وجهة للعديد من المهاجرين الذين استقروا بها بصفة غير قانونية”. وبيّن الرئيس سعيد أن “الأوْلى معالجة الأسباب لا فقط معالجة النتائج والآثار”،
مجددا التأكيد على “الدعوة إلى تنظيم اجتماع على مستوى القمة بمشاركة كل الدول المعنية بهذا الموضوع سواء جنوب البحر الأبيض المتوسط أو شماله”.
ويرى مراقبون أن بعض الدول تريد أن تتبرأ من أيّ مسؤولية تجاه الهجرة غير النظامية وتضغط على دول الجنوب كي تتصرف لوقف موجات اللاجئين، وكأنها تدفع بهم عن عمد، في حين أن هذه الموجات تأتي في أغلبها من جنوب الصحراء نتيجة الظروف الصعبة سواء الأمنية أو المناخية، وأن على الجميع أن يتحمل مسؤوليتها، وليس دول الجنوب.
والخميس تطرقت المكالمة الهاتفية بين الرئيس التونسي ورئيسة الوزراء الإيطالية إلى المبادرة التي تقدم بها سابقا لعقد “مؤتمر دولي رفيع المستوى بين دول شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء الأفريقية ودول شمال البحر المتوسط لمعالجة أسباب الهجرة غير النظامية ووضع حد لهذه الأوضاع غير الإنسانية”، وفق بيان للرئاسة التونسية.
وأشار البيان، إلى “تلبية رئيسة الوزراء الإيطالية دعوة الرئيس التونسي لإجراء زيارة رسمية إلى تونس خلال الأسبوع القادم”، دون تحديد تاريخ معين.
وفي 26 أكتوبر 2022، دعا الرئيس التونسي إلى تعاون دولي لمواجهة تزايد وتيرة الهجرة غير النظامية، مشددا على أنه “لا يمكن إيجاد حلول محلية لتلك الظاهرة”.
وفي 16 مايو الماضي، اقترح سعيّد على وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي، خلال زيارته إلى تونس، “عقد اجتماع دولي عاجل على مستوى رؤساء الدول والحكومات، أو على مستوى وزراء الداخلية، تشارك فيه كل الدول المعنية بما في ذلك الدول التي يتدفّق منها المهاجرون”، بحسب الرئاسة التونسية.
ويقول مراقبون إنه كي لا يترك الموضوع للمناكفة السياسية، فإن مبادرة الرئيس التونسي لعقد مؤتمر إقليمي للدول المتضررة من الهجرة سيكون إطارا ملائما لحل الخلافات.
وتسجّل تونس – التي تبعد بعض سواحلها أقل من 150 كيلومترًا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية – بانتظام محاولات المهاجرين، الذين غالبيتهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، للوصول إلى السواحل الإيطالية.
وفيما تبدي إيطاليا تفاعلا كبيرا مع تونس وتوجه نداءات لدعمها ماليا واقتصاديا كونها نقطة متقدمة لمواجهة الهجرة، فإن فرنسا تبدو أقل حماسا تجاه الموضوع وتكتفي بحثّ تونس على توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وكأن تونس ستخصص القرض الذي ستحصل عليه من الصندوق لمواجهة الهجرة وليس لتحريك وضع اقتصادها أو إنفاقه على الضرورات وخاصة منها موضوع الرواتب.
وفي مارس الماضي دعا الرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء الإيطالية في بروكسل إلى دعم تونس التي تواجه أزمة مالية خطرة من أجل تخفيف ضغط الهجرة.
وأشار ماكرون خلال مؤتمر صحفي إثر قمة أوروبية إلى “أن التوتر السياسي الكبير جدا في تونس والأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستعرة في ظل غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي (عوامل) مقلقة للغاية”، فيما قالت ميلوني “إذا لم نتعامل مع هذه المشاكل بشكل مناسب، فسيتهدّدنا خطر إثارة موجة هجرة غير مسبوقة”.
وطالبت الحكومة الإيطالية بوقف منطق إعطاء الدروس لـ”الشعب التونسي الصديق”، مشددة على أن التمويل الممنوح لتونس لا يمكن أن يكون مشروطا بإصلاحات الرئيس قيس سعيد، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة مالية واقتصادية صعبة.
وبدا الموقف الإيطالي موجها بالأساس للشركاء الغربيين، الذين لديهم تحفظات على سياسة الرئيس سعيد، ويطالبون بإصلاحات لا تنحصر فقط في البعد الاقتصادي بل وحتى السياسي، وهو ما رفضته تونس مرارا واعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية.
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني في تصريحات لموقع صحيفة “إل ميساجيرو” الإيطالية، إن بلاده ستواصل بذل كل ما في
وسعها لدعم تونس اقتصاديا ودعوة الشركاء الأوروبيين إلى النظر في أزمة هذا البلد العظيم من خلال “منظور أفريقي”.
وأضاف تاياني “لا يجب أن يكون التمويل مشروطا بإصلاحات الرئيس سعيد، بل يجب أن يسير جنبا إلى جنب.
وقد قدمت إيطاليا بالفعل 10 ملايين يورو وهناك 100 مليون يورو أخرى في الطريق”.
ولا يقف الخلاف حول الهجرة بين تونس وفرنسا فقط، فهناك خلاف حاد بين باريس وروما بسبب نأي فرنسا بنفسها عن موضوع مجابهة الهجرة ودعوة إيطاليا إلى التحرك منفردة لمواجهة ما يصلها من لاجئين.
وفي مايو الماضي، اعتبر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أنّ رئيسة الوزراء الإيطالية “عاجزة عن حلّ مشاكل الهجرة” في بلادها التي تشهد وصول أعداد قياسية من المهاجرين عبر المتوسط.
وقال دارمانان إنّ “السيدة ميلوني، حكومة اليمين المتطرّف التي اختارها أصدقاء السيدة (مارين) لوبن، عاجزة عن حلّ مشاكل الهجرة بعدما انتُخبت على هذا الأساس”.
وقادت هذه التصريحات إلى توتر دبلوماسي بين باريس وروما. وتقول وزارة الداخلية الإيطالية إنّ أكثر من 36 ألف شخص وصلوا إلى إيطاليا هذا العام عبر البحر المتوسط، مقابل نحو تسعة آلاف خلال الفترة نفسها من العام 2022.