ماذا يريد الشيخ الغرياني من الليبيين

ماذا يريد الشيخ الغرياني من الليبيين

محمد الهوني
كاتب ليبي

إعتاد الشيخ الصادق الغرياني على اعتماد سياسة “خالف تعرف” و”فرّق تسد”، وهو الذي لا يجد نفسه إلا في حالة الفوضى التي يراهن عليها في سياقات الوضع الليبي المتشنج منذ أن دخلت ليبيا مرحلة الصراع على السلطة والثروة، وأصبحت نهبا للتجاذبات الإقليمية والدولية بأدوات محلية من بينها دار الإفتاء الدائرة في فلك التحالف القطري التركي الإخواني والمرتبطة بأجندات ما تعج به البلاد، ولاسيما المنطقة الغربية، من ميليشيات خارجة عن القانون وقوات أجنبية ومرتزقة.

مساء الخميس، أعلنت أغلب الدول العربية عن ثبوت رؤية هلال شهر شوال، وبالتالي عن حلول عيد الفطر المبارك ليكون يوم الجمعة. وقد جاء الإعلان من السعودية وقطر والإمارات ومصر والسودان وغيرها، وكذلك تركيا التي يقيم الغرياني على أراضيها ويدير نجله سهيل إستثماراته ومؤسسته الإعلامية من على أراضيها. وقالت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بشرق ليبيا في بيان أن “لجنة تقصي الأهلة التابعة للجنة العليا للإفتاء أفادت بأنه قد تمت رؤية الهلال هذه الليلة، وعليه فإن يوم الجمعة هو يوم عيد الفطر وأول أيام شهر شوال”. لكن دار الافتاء الليبية التي يشرف عليها الشيخ المراهن على الفوضى، رأت إن الجمعة 21 أبريل 2023 هو المتمم لشهر رمضان 1444 للهجرة وأول أيام عيد الفطر يوم السبت، وذلك لعدم التمكن من رؤية هلال شهر شوال في أي من مراكز الرصد.

لجأ الليبيون الى القضاء، الجدار الأخير الذي يستندون إليه كلما ضاقت بهم السبل، وأعلن المجلس الأعلى للقضاء أن محاكمه مفتوحة في كل أنحاء ليبيا لتستقبل الشهود لإصدار قرار نهائي حول هلال شوال وحالة الانقسام التي حدثت. وتقدم مواطنون من مصراتة وإجدابيا والجفرة الى المحاكم للإدلاء بشهاداتهم حول رؤيتهم للهلال، ليصدر المجلس بلاغا أثبت فيه أنه بعد الاطمئنان ووصول شهادات عديدة من مناطق ليبيا المختلفة فأن الجمعة أول ايام عيد الفطر المبارك.

العارفون بخفايا الأمور، يؤكدون أن المجلس الأعلى للقضاء أنقذ الغرياني ودار إفتائه من وضعية لا يحسدان عليها، خصوصا وأن مساجد طرابلس وضواحيها وأغلب مدن غرب ليبيا أطلقت تكبيرات العيد. ووجد رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة نفسه في منطقة التسلّل وهو يدعم موقف شيخه ويجعل من فاتح شوال متمما لرمضان، ليس من باب الإقتناع، وإنما من على أساس التحالف القائم بينهما حاليا حيث يراهن الدبيبة على نفوذ الغرياني على بعض الميليشيات والجماعات المسلحة والمتشددة في إمكانية التحرك في اتجاه ما يرى من مصالح وخطط لخلط الأوراق حينما يتطلب الأمر ذلك.

يعتبر الغرياني من أهم الشخصيات الجدلية في ليبيا والمنطقة، وعُرف عنه دعمه للجماعات الإرهابية في ليبيا ومنها تنظيم القاعدة وإسنادها بفتاوى تجيز نبش القبور والأضرحة التي أثارت استياء شعبيا واسعا، قبل أن يتحول إلى موالاة تيار الإخوان المسلمين والتقرب إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة المقربة من تنظيم القاعدة، وضغوطه التي مورست على المؤتمر الوطني العام من أجل إقرار قانون العزل السياسي المثير للجدل وحصار المقرات الوزارية عام 2013. وكان منظّر منظومة “فجر ليبيا” الأبرز، والمشرّع لانقلاب 2014 على نتائج الانتخابات. وفي نوفمبر من ذلك العام، قرر مجلس النواب المنعقد في مدينة طرابلس عزله من منصب مفتي البلاد وإلغاء دار الإفتاء وإحالة اختصاصتها واختصاصات المفتي لهيئة الأوقاف في الحكومة المؤقتة. لكن الإنقسام المؤسساتي حال دون تنفيذ القرار.

صارت شخصية الغرياني أحدى أساسات التوازنات السياسية بإعتباره مفتيا للجماعات الإرهابية وعرّابا لما يسمى بالإسلام الجهادي معتنقا لفكر التيار القطبي وملتزما بشق الإخوان المتحالف مع تنظيم القاعدة، ومن الدعاة المحرضين على محاربة الآخر والمختلف والتصدي لأية محاولة لتحقيق المصالحة الوطنية. وكان ولا يزال من الأصوات المعادية بقوة لمحور الإعتدال العربي وخاصة مصر والسعودية والإمارات، ومكفرا للجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وداعيا الى الدخول معه في حروب لا تنتهي. كما كان يتولى تحريض الميليشيات على المناطق والقبائل كبني وليد وورشفانة وبراك الشاطي وترهونة والزنتان وسرت وغيرها، ويتدخل في مختلف القضايا والملفات من الحرب والتحالفات العسكرية الى صرف العملة وإصدار الإعتمادات وصولا الى التغير المناخي والذكاء الإصطناعي. وهو يتصرف بثقة من يعتقد في نفسه القدرة على طرق جميع أبواب المعرفة دون إستثناء، ومن يحسب أنه على صلة بالسماء فيوحى إليه بأحكام يعلنها باسم الذات الإلهية من على قناة “التناصح” التابعة له.

بموقفه من رؤية الهلال، أثبت الشيخ الغرياني أنه يهدف للخروج عن الأمة ليكون من رموز خوارج هذا الزمن، وقد أثبت أن آخر همه هو وحدة الليبيين، بل أنه لا يرى في ليبيا غير مريديه والواقفين على أبواب فتاواه. كما أنه يتخذ من سياسات الإخوان منطلقا لتصنيف الدول والأنظمة والجماعات والأفراد، وكان هدفه بإعلان الجمعة متمما لرمضان والسبت فاتحا لشوال هو الخروج عن إجماع الجيران على الأقل كمصر وتونس، بل وشرق ليبيا، ليؤجل فرح الليبيين بالعيد وليحدث بلبلة في المجتمع هو في غنى عنها، وليكرّس حالة الانقسام بين طرابلس من جهة وبرقة وفزان من جهة أخرى.

ربما لم يعرف الشيخ الغرياني الذي يقدمه أنصاره على أنه العالم المالكي الذي لا يشق له غبار أن المذهب السائد في ليبيا مع وحدة المطالع. قال ابن حجر في الفتح: “إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها، وهو المشهور عند المالكية”. وجاء في كتاب “الفقه على المذاهب الخمسة” لمحمد جواد مغنية في ثبوت الهلال: “قال الحنفية والمالكية والحنابلة: متى ثبتت رؤية الهلال بقطر يجب على أهل سائر الأقطار من غير فرق بين القريب والبعيد، ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال”. وهذا أيضا قول موافق لقول الجمهور، وأورد ابن جزي في “القوانين الفقهية في رؤية الهلال، (الفرع الثاني) مشيرا إلى قول الجمهور هذا: “إذا رآه أهل بلد لزم الحكم غيرهم من أهل البلدان وفاقا للشافعي…إلخ…”. كان هذا في زمن غير زمننا الذي تقاربت فيه المسافات الى حد تحول العالم الى قرية صغيرة، وأصبح فيه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على صلة ببعضهم البعض عبر الثورة الإتصالية الهائلة. فإذا بأهل ليبيا يتابعون حيثيات الرؤية في مكة والمدينة بشكل مباشر عبر التلفزيون والإنترنت، وإذا بثبوت الرؤية مدعوم بالحساب الفلكي ومستند إليه بما يقطع الطريق أمام دواعي الشك ولو كانت ضئيلة.

لا تخلو كل فتاوى ومواقف الشيخ الغرياني من الدافع السياسي، وهو الذي حّول الخطاب الديني الى أداة رخيصة لخدمة مشروعه الإيديولوجي الفئوي والحزبي والدنيوي متجاوزا صالح الدين والأمة، وكما هناك علماء السلطان، هناك علماء الحزب أو الفئة أو الجماعة ممن يجترؤون على الله ورسوله، ويركبون صهوة الفوضى والعبث دون رادع، ويحولون دون توحيد الكلمة والصف، ومنهم الشيخ الذي لا يزال مستمرا في ممارساته غير مدرك للأولويات ولا للضرورات وإنما يتمسك بلزوميات جماعته ومصالح فئته وحسابات عُصبته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *