محمد سعيد القشاط: اعتمدنا الشعر الشعبي في التاريخ للأحداث وتوثيقها

محمد سعيد القشاط: اعتمدنا الشعر الشعبي في التاريخ للأحداث وتوثيقها

تونس – ليبيا 21- الحبيب الاسود:

يواصل الكاتب والشاعر والباحث في تاريخ الأماكن والأنساب والتراث الشعبي الليبي والديبلوماسي السابق الدكتور محمد سعيد القشاط جهوده الأدبيبة والفكرية من حيث تعدد الإصدارات وتنوع المضامين التي تراوحت بين الجمع والتحقيق والتوثيق والتأريخ للقبائل والشخصيات والقصة والشعر الفصيح والشعبي والرسائل والمذكرات والموسوعات والإعلام.

وتحدث القشاط عن بداياته مع الكتابة فقال «كنت في اول حياتي قارئا نهما، اذ اطلعت على الاف الكتب في الادب والشعر والرواية والتاريخ  والمذكرات الشخصية لأغلب عظماء العالم من الهند وباكستان والصين وروسيا ومن الغرب فرنسا والمانيا وبريطانيا وامريكا ومكاتب عن الحربين العالميتين، وما كتبه الضباط الذين خاضوها، ومعظم ما كتبه العرب من تاريخ وشعر  ومذكرات. وكانت ذاكرتي جيدة تستوعب كل ما أقرأ… ووهبني الله ملكة الشعر منذ الصغر.. ولقد كان والدي شاعرا.. وجدي لأمي شاعرا.. واغلب رجال القبيلة شعراء.. وكنت احفظ كل ما اسمع.. وكانت خيمتنا تجمع الكثير من رجال القبيلة، اذ كان والدي شيخا على القبيلة.. وكان كبار السن في القبيلة يروون تاريخ الجهاد ضد الاحتلالين العثماني والإيطالي والاحداث التي عاصروها.. والمعارك التي خاضوها.. وصرت شغوفا بالتاريخ.. وانضممت للحركة الكشفية.. وعرفني المرحوم الاستاذ علي خليفة الزائدي.. بجماعة من الكشافين بلبنان يملكون مطبعة ودار للنشر.. فطبعت عندهم اول كتاب في الشعر الشعبي.. وهو اول كتاب ينشر في ليبيا في هذا المجال عام 1964، وواصلت بعدها النشر».

واعتبر القشاط أن منزل الأسرة كان مدرسته الأولى التي تعلم فيها الاهتمام بالتاريخ والأنساب والشعر، وأضاف «انا ولدت في الصحراء.. ولما شببت عن الطوق تنقلت في صحراء ليبيا وكنت مغرما بالصيد.. ففي كل واد لي ذكرى.. وكل (قرعاة) لي فيها ذكريات.. والجوش هي اول قرية رأيتها في حياتي.. وتعلمت في مدرستها المرحلة الابتدائية.. وكان البدو يتنقلون في الصحراء تقودهم المطر. ويتركون اولادهم عند اصحابهم اهل الجوش يدرسون.. فيعاملونهم كأبنائهم.. وانا كنت من ضمنهم.. ولذلك فإن لهذه البلدة جميل في اعناقنا.. رأيت ان أسجل تاريخا وعاداتها وتقاليدها في كتاب.. ردا للجميل».

وحول تعدد المواضيع والاهتمامات لديه، يرى القشاط أنها تنبع من معين واحد، فالأعلام الحديث عنهم هو تاريخ، والانساب تاريخ، والشعر في كثير من قصائده يسجل احداث تاريخية… وقد اعتمدناه كوثيقة تاريخية ولاسيما في علاقة بحياة البدو ومعاركهم وصراعاتهم ومقاومتهم للغزاة، ولا يزال الى اليوم يوثق الأحداث بدقة كبيرة ولا سيما في المجتمعات البدوية حيث يبقى الشعر ديوان العرب وأداتهم الأولى للتعبير وتسجيل الانفعالات ورصد التحولات.

 ويردف القشاط «الشعر الشعبي في ليبيا وفي اغلب البلدان العربية هو مذكرات الشعب وتسجيل للأحداث واعتمدنا عليه في ليبيا وتونس كمصدر لتاريخ البلد.. وقد كان الباحث في التراث وأحد أبرز رموز الثقافة التونسية المرحوم الاستاذ محمد المرزوقي اول من نبه لهذا».

وحول كتابه « الى سلمى » يقول القشاط « سلمى هي ابنتي الكبرى، وأمينة مكتبتي التي كانت تديرها فتقرأ كل ما تقع عليه يدها من الكتب.. وكانت تقرأ مسودات كتبي قبل طباعتها.. وفي الهجرة تركت اغلب الابناء بطرابلس.. ومن ضمنهم سلمى.. فرأيت ان اخصص لها كتاب عبارة عن رسالة احكي لها فيها تاريخ الاسرة.. والاحداث التي لم تشهدها في سواء ليبيا أو في الوطن العربي، وأروي لها تفاصيل حياتي في المهجر بعد عدوان الناتو على بلدي في العام 2011، وما تعرضت له بيوتنا من تخريب وممتلكاتنا من نهب حتى أن مكتبتي التي كانت تضم ما لا يقل عن 30 ألف كتاب جمعتها منذ بداياتي وأكثر من 400 مخطوطة ومالا يقل عن 1000 ساعة من التسجيلات النادرة مع مقاومين وشعراء، تعرضت للحرق والإتلاف بالكامل ، وهي خسارة لا تعوض تألمت لها كثيرا».

وحول مخطوطاته ومراجعه التي خسرها بحرق مكتبته قال القشاط «هي خسارة فادحة دون شك، ولكنني والحمد لله أملك ذاكرة قوية للحفظ حتى انني بعض الكتب التي كنتر أعددتها للطبع وتعرضت للإتلاف، اعدت كتابتها من الذاكرة.. وكتبت حوالي سبعة كتب نشرتها بتونس، ونشرت بمصر كتابا.. وحوالي 14 مخطوطا لا يزال في انتظار النشر».

سألت الدكتور ممد سعيد القشاط حول مدى صدقية سرد الأحداث في ما يتعلق باهتمامه بتاريخ القبائل، وما إذا قادرا على ذكر الوقائع دون مجاملات ولاسيما من حيث التطرق للخيانات والتعاملات مع المستمر الإيطالي التي حاولت الدولة الوطنية سواء في العهد الملكي أو «الجماهيري» التستر عليها من باب الحفاظ على السلم الأهلي، فقال «نحن في ليبيا مع الاسف، وعند دخول الطليان لاستعمار ليبيا انضمت بعض الزعامات للعدو.. وشكلت جماعات مسلحة وقاتلت معه.. وساهمت في استعمار وطنها.. وهكذا فعل الاستعمار الفرنسي أو الإنجليزي في البلدان التي احتلها حيث جند بعض المواطنين ليساعدوه على احتلال أوطانهم، وكان المؤرخون الذين كتبوا قبلي في هذه المواضيع يتجنبون ذكر الخيانات.. لان ابناء واحفاد الخونة يحتلون مراكز في الدولة.. وكتبت انا الحقائق كما هي. وذكرت الخونة والخيانات ..وتجند اولادهم واحفادهم يتهمونني بالتزوير.. وطلبت منهم مناظرتي في الجامعة، او في مركز جهاد الليبيين او في التلفزيون.. وتمت مناظرة في مركز الجهاد . ودمغتهم بالحجج والوثائق.. ومع ذلك استمروا في دعاياتهم.. ولا ازال اطلبهم للمناظرة».

وحول دور القبيلة في المشهد السياسي الليبي الحالي، قال القشاط «القبيلة مكون اجتماعي مهم ولكنه لن يكون مؤثرا في سياسة البلد.. وقد يوضح لنا تاريخ القبائل انها تتبع قادتها (مشائخها) فالشيخ الذي ينضم للعدو تذهب معه القبيلة.. والذي يستمر في النضال تكون معه القبيلة.

سألت الدكتور القشاط عن «الكتاب الازرق» الذي تطرق من خلاله للحل السياسي والاجتماعي للأزمة الليبية، فأجاب «هو رؤية للحل في ليبيا.. واتفقت حوله مع المشير خليفة حفتر عندما جاءني الى الجزائر حيث كنت أقيم بعد 2011 وهو يعد لمشروعه العسكري.. ونشرت هذا الكتاب ليطلع عليه الليبيون علهم يستفيدون من بعض افكاره» وحول مبدأ المصالحة الوطنية قال إنها «لن  تتم قبل رحيل القوات الاجنبية من ليبيا.. وحل المليشيات.. وتجميع السلاح ووضعه تحت سيطرة الجيش واخراج المرتزقة من ليبيا.. وإطلاق سراح المساجين والسجينات.. وقتها يجتمع الليبيون وتجري المصالحة ويتم تعويض المتضررين.. ويقر الليبيون نظام الحكم والعلم والنشيد».

وكان القشاط قد أصدر عددا من المؤلفات حول أحداث 2011، ومنه كتابه «أنا والقذافي وبن علي» الذي يروي فيه قصة لقائه وهو سفير لبلاده في الرياض، مع الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، بعد أيام قليلة من وصوله الى مدينة جدة السعودية، وذلك بطلب من الزعيم الراحل معمر القذافي، ويقدم فيه رواية مختلفة عما تم ترويجه أنذاك، كما نشر موسوعة «معارف والقذافي يتحدثون» والذي ضمنه شهادات من كانوا مقربين من الزعيم الليبي قبل الإطاحة بنظامه.

وفي هذا السياق يؤكد القشاط أن كتبه ممنوعة من العرض في ليبيا بأمر من سلطات طرابلس التي يقول أنها تسعى الى كتابة التاريخ وفق وجهة نظرها وبما يخدم مصالحها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *