مصراتة عاصمة صنع القرار السياسي والاقتصادي في ليبيا


الحبيب الاسود
يكفي للمرء أن يلقي نظرة خاطفة على المشهد العام في ليبيا، ليدرك حجم تأثير مصراتة عليه، فرئيسا الحكومتين منتهية الشرعية والجديدة، عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا هما من أبناء المدينة، ومثلهما يبدو وزراء وسفراء ومدراء وقادة عسكريون وأمراء حرب وخبراء ماليون واقتصاديون ورجال أعمال وقادة رأي عام وشخصيات فاعلة على جميع الأصعدة وفي كل المستويات، حتى أن مصراتة هي اليد الطولى فعليا بما لديها من آليات السيطرة العملية على مجريات الأحداث، ولاسيما منذ الإطاحة بالنظام السابق حيث أصبحت هناك معادلة لا يمكن تجاوزها، وهي أن لا حرب ولا سلام، ولا أمن ولا استقرار، ولا سلم أهلي ولا مصالحة وطنية من دون مصراتة.
خلال العام 2011، كانت مصراتة المدينة التي حسمت قرار الإطاحة بالنظام، ودخلت في حرب واسعة النطاق قدمت خلالها آلاف القتلى والجرحى والمعوقين والمفقودين، وخاضت من ورائها معارك كثيرة وصراعات دموية في كافة أرجاء البلاد، فأثارت بذلك جدلا واسعا حول ما رأى فيه البعض نزوعا منها الى الهيمنة على الجغرافيا والثروة والسلطة، وميلا الى تصفية حساب أربعة عقود كانت قد حصلت فيها على امتيازات تتجاوز بكثير ما حصلت عليه بقية المدن، فمصراتة تعتبر نفسها المؤتمنة على مبادئ 17 فبراير، والقوة المسلحة الكبرى القادرة على تحصين أهدافها وترجيح الكفة في أي مواجهة مع أي فريق آخر.
ومصراتة هي ثالث أكبر التجمعات السكانية في ليبيا بعد طرابلس وبنغازي، وثاني اكبر مدن إقليم طرابلس بعد العاصمة، وتعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد، ومصدرا رئيسيا للكفاءات العلمية والثقافية، وهي تستمد عراقتها وتأثيرها في محيطها الجغرافي والديمغرافي من تراثها الثري في مجال التجارة الممتدة بين ضفتي المتوسط في اتجاه الصحراء الكبرى عبر طريق الصحراء المفتوحة مع فزان.
تقع مصراتة في الجزء الغربي من ليبيا وتبدو كشبه جزيرة فمياه البحر تلفها من الشمال والشرق والغرب، وهي تبعد عن شواطئ البحر الأبيض المتوسط بحوالي 6كم، وتبعد عن طرابلس بحوالي 200كم، وعن بنغازي بحوالي 850كم، وتتمتع بشاطئين، شمالي على المتوسط، وشرقي على خليج سرت، ما جعلها ذات حركة بيئية نشطة وثرية حيث لا مجال للركود، فالموج يتلاطم من الجهتين عند الرأس الذي يسمى بحر جنات، وذلك الموقع أعطاها مناخا معتدلا في أغلب فصول العام.
ومصراتة من المناطق التي كانت تقيم بها قبيلة المكاي الليبية، التي ذكرها هيردوت في تاريخه في القرن الخامس قبل الميلاد، وهي إحدى المحطات التجارية التي بدأ الفينيقيون في إنشائها على الأجزاء الشمالية الغربية من الساحل الليبي في القرن العاشر قبل الميلاد وبذلك يكون عمرها قد تجاوز ثلاثة آلاف عام ،وقد عرفت المدينة آنذاك باسم “توباكتس” واستمدت أهميتها من كونها ملتقى العديد من الطرق الحيوية ولأنها أيضا تتوسط منطقة زراعية ورد ذكرها في القرن الرابع قبل الميلاد باسم “كيفالاي برومنتوريوم”، وقد وصفها الجغرافي “سترابو” في القرن الأول الميلادي بأنها رأس شامخة مغطاة بالغابات وتشكل خليج سرت الكبير، وقد تحدث عنها بطليموس الجغرافي الشهير، وعرفها بإسم“ترايرون أكرون” (أي الرؤوس الثلاثة) لأنها تتكون من ثلاثة رؤوس من اليابسة موغلة في البحر كما عرفت باسم ذات الرمال وذلك لوجود العديد من الكثبان الرملية بها البيضاء والصفراء.
كانت مدينة مصراتة مركزا تجاريا هاما بين الأراضي الرومانية الأصلية والمستعمرات الشرقية وافريقيا، واشتهرت منذ القدم بالتجارة في الصوف والزيوت والبضائع التي كانت ترد اليها من إفريقيا الوسطى وتستورد بدلا منها الأدوات الزجاجية، وبسبب هذا المركز التجاري الهام وموقعها الجغرافي فقد امتدت إليها أطماع القراصنة المغامرين الإسبان من البحر واستمرت الحروب بين الغزاة الطامعين والقبائل المستوطنة أكثر من 500 سنة مما أنهك الأراضي التي كانت مزدهرة يوماً ما.
ويعود إسم مصراتة الى قبيلة مسراتة اللهانية الهوارية التي استقرت بالمنطقة، والتي ذكرها أحمد بن إسحٰق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي سنة 891 للميلاد، في «كتاب البلدان» من خلال حديثه عن بطون هوارة في طرابلس، وقال “إن بني مسراتة وبني ورفلة من بني اللهان من بطون هوارة”، كما ذكرها عبد الرحمان بن خلدون في أواخر القرن الرابع عشر ميلادية بقوله: ”ومن هوارة هؤلاء بآخر عمل طرابلس.. قبيلة يعرفون بمسراتة“.
والرسم الصحيح للاسم هو مسراتة بالسين، كما ذكره وكتبه الجغرافيون العرب القدامى، وكذلك أهل مسراتة الذين ظلوا يكتبونه في وثائقهم بالسين حتى منتصف القرن التاسع عشر ميلادي، ثم كتب بعد ذلك بعدة صيغ في العهد العثماني الثاني منها مصراطة بالصاد والطاء ومسراطة بالسين والطاء، ثم كتب الاسم مصراتة بالصاد كما يكتب الآن.
وتتميز مصراتة بتنوعها الثقافي نظرا لموقعها كمدينة ساحلية تشكل جسرا بين المشرق والمغرب العربيين، وكذلك بين الضفة الشمالية للمتوسط والقارة الإفريقية، وعبر تاريخها الطويل كانت مفتوحة للقبائل الليبية، كما كان أهلها المعروفون بتميزهم في العمل التجاري والتربوي والعسكري كثيري الانتشار في بقية مناطق ليبيا وخارجها ، وهو ما جعل المتحدرين من المدينة يشكلون قبائل ممتدة في طرابلس وبرقة وفزان.
وينقسم سكان مصراتة الى عدة قبائل يرجع أصول بعضها إلى أولاد سالم من فروع بني دباب من بني سليم الذين قدموا إلى ليبيا في هجرة قبائل بني هلال وبني سليم الشهيرة، وبالمدينة فروع من أغلب القبائل الليبية الأخرى التي قدمت للمدينة شخصيات ذات تأثير كبير على جميع المستويات، كما أن من مكونات المدينة «الكوارغلية» وتعود نواة تكونهم الى أبناء جنود الانكشارية، الذين أقاموا في مصراتة بداية من سنة 1556م، ثم التحق بهم عدد من القبائل والعائلات والأفراد المقيمين بمصراتة للتمتع بالإعفاء الضريبي، وقد استقر عدد قبائل الكوارغلية في أواخر العهد العثماني الثاني على خمسة عشر قبيلة، ولاسيما بعد أن تصاهروا وتمازجوا وإندمجوا في البيئة الإجتماعية المحلية وتحولوا الى جزء أصيل من النسيج الإجتماعي الليبي في مختلف مناطق البلاد.
وتعكس مصراتة بتنوعها الثقافي الصورة الحقيقية لليبيا التي كانت عبر التاريخ جسرا للتواصل بين الثقافات والحضارات المحيطة بها من أمازيغ وإغريق وفينيقيين ورومانيين وبيزنطيين وأفارقة وفندال وعرب وأندلسيين وإسبان وغيرهم ، كما كانت منطلقا للتأثير الفاعل في محيطها بأبعاده المتوسطية والأفريقية والعربية والإنسانية، ومركزا حضاريا متقدما منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.
وكان لمصراتة تأثير سياسي وعسكري كبيرين في العهد العثماني الأول والثاني، وشهدت بناء أول زاوية للطريقة السنوسية في العام 1844 في موضع بروك جمال قافلة السيد محمد السنوسي مؤسس الطريقة الذي زارها آنذاك.
وفي العام 1911 قامت القوات الإيطالية باحتلال مصراتة لموقعها الجغرافي وتمركز بها قياديون مثل رمضان السويحلي، الذي استلم من بعده دفة القيادة أخواه أحمد وسعدون السويحلي، وقد كان سعدون ممن قادوا أو شاركوا في عدد من المعارك كمعركة ساحل مصراتة، معركة السبت الدامية، معركة عين كعام، معركة السلحيبة، معركة النقازة ومعركة المشرك التي قتل فيها، كما شهدت مصراتة عددا من المعارك وأهمها معركة رأس الطوبة ومعركة شهداء الرميلة، وحدثت بها إحدى جرائم الاحتلال الإيطالي وهي جريمة مذبحة حوش آل ماطوس.
وبعد الاستقلال عرفت المدينة ذات الحيوية الثقافية والسياسية حراكا شعبيا واجتماعيا دفاعا عن المسار الديمقراطي وعن شفافية الانتخابات، كما كانت متأثرة بالمد القومي في مصر الناصرية، وفي العام 1962، وجد فيها معمر القذافي ملجأ له كطالب تم طرده من مدراس فزان بسبب نشاطه المعرض ،وبحسب رفيقه عبد السلام جلود فإن القذافي انتقل إلى مدينة مصراتة، حيث واصل دراسته في المرحلة الثانوية، وحمل معه مشروعه الفكري والثوري والتنظيمي، وباشر في توسيع خلايا تنظيمه السري بين طلبة المنطقة من طلاب مصراتة والخمس وغيرهما من زملائه الطلبة، وذهب جلود إلى طرابلس حيث واصل دراسته الثانوية، وهو ما جعل المدينة تتحول لاحقا الى أكبر ساحة لتجمّع من كان القذافي يطلق عليهم صفة «رفاق الفاتح».
ومنذ السبعينيات من القرن الماضي، عرفت مصراتة محاولات للتمرد ضد نظام القذافي، لعل من أشهرها تلك جدت في أغسطس 1975 والتي تزعمها عمر المحيشي الشركسي والذي كان أحد الضباط الوحدويين الأحرار وكان من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية، كما إنضم عدد كبير من أبنائها المبتعثين الى الخارج للدراسة الجامعية الى جماعات المعارضة بجناحيها الراديكالي والليبيرالي، وفي الأثناء، كانت تحظى باهتمام استثنائي خلال سنوات حكم القذافي مقارنة ببقية المدن الليبية، حتى تم تكريس دورها كعاصمة اقتصادية للبلاد، وكمزود أساسي للدولة بالكفاءات الحكومية و الإدارية والمالية والأكاديمية وبالمواهب الفنية والثقافية والرياضية، وبالمفكرين والخبراء والباحثين، وهو ما يمكن تفسيره بخصوصية مصراتة كمركز حضري طالما راهن أهله على التربية والتعليم والعمل والاقتصاد والانفتاح على العالم.
ويشير بعض المحللين الى علاقة القذافي بمصراتة على أنها كانت مثالا للتراجيديا الإغريقية، فقد إنطلق منها وبمساعدة أهلها في مخططه للإطاحة بالنظام الملكي والوصول الى السلطة، وكان من أقرب أهلها إليه رفيقه عمر المحيشي الذي حاول الإنقلاب عليه فإنتهى الى حتفه بسجن أبوسليم في العام1984، وقد خصها بإمتيازات مالية وإدارية وقرّب منه عددا من أبرز أبنائها حتى أنه جعل مقاليد مشاريع البناء والإعمار بين أيديهم ومنهم رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة وإبن عمه علي الدبيبة الذي كلفه برئاسة جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية سابقا، وإنتهى قتيلا في 20 أكتوبر2011 على يد بعض مسلحيها في موقف لا يزال يكتنفه الغموض، ولا يزال مكان دفنه مع نجله المعتصم ووزيره للدفاع أبوبكر يونس جابر سرا يتكتم عليه بعض أهل مصراتة، وإذا كان أكثر الناس عداء للقذافي من مصراتة، فإن أكثر الناس ولاءا له ودفاعا عنه كانوا كذلك من المدينة ذاتها.
وتعتبر مصراتة عاصمة إقتصادية لليبيا ،وهي اليوم قبلة للقوى الإقليمية والدولية الباحثة لنفسها عن منفذ للتعاون الصناعي والتجاري أو للإستثمار في ليبيا، وهي مفتاح الإقتصاد في ليبيا ومركز صدارتها ليس بموقعها ومؤسساتها فقط وإنما كذلك بأبنائها المسؤولين والخبراء الفاعلين في مستويات القرار وفي مراكز النفوذ سواء بالعاصمة طرابلس أو بغيرها من المدن.
وبحسب المراقبين، فإن مصراتة كانت ولا تزال القاطرة التي تجر وراءها الاقتصاد الليبي ،فهي مدينة تتبنى مبدأ المبادرة الفردية ، وتنحو نحو روحية الاقتصاد الحر، ويمارس نصف سكانها تقريبا العمل الخاص، ويرى بعض ناشطيها أن الاقتصاد هو الذي يؤثر على السياسة لدى أهلها، وأن المال والأعمال يسيطران على مجالات التفكير لدى أغلبية المصراتيين ،ولذلك فإن أبرز الخبراء الماليين والمصرفيين والاقتصاديين ورجال الأعمال وكبار التجار يتحدرون من المدينة، ويبدو أن علاقة مصراتة بالقذافي كانت قد ساءت منذ ثمانينات القرن الماضي بسبب سياساته الاشتراكية القامعة لمبدأ الملكية الفردية والمبادرة الحر.
وإذا كانت شاحنات مصراتة المحملة بمختلف أنواع السلع والبضائع تتنقل في كافة أرجاء ليبيا، فإن اسمها يكاد يوجد في كل دول الجوار من خلال تاريخ من التواصل الاجتماعي نتيجة الهجرات التي فرضتها الظروف والأحداث على أهلها، ولعل من أبرز الشخصيات ذات الجذور المصراتية مؤسس تونس الحديثة الحبيب بورقيبة الذي يتحدر من قبيلة الدرادفة الكراغلية، وقد هاجر جده عبر البحر الى تونس عام 1795م نتيجة ضغط سياسات القرمانليين التعسفية، والباهي الأدغم المتحدر من قبيلة يدّر بمصراتة وقد تقلد مناصب سياسية رفيعة كان أبرزها منصب الوزير الأول (رئيس الوزراء) للحكومة التونسية بين 1969 و1970.
و توجد مصراتة في منطقة زراعية سهلية يبلغ عدد أشجار النخيل بها أكثر من 200,000 نخلة بالإضافة إلى أكثر من 25,000 شجرة فاكهة أخرى كما توجد أكبر مزرعة زيتون على الساحل الليبي ، وعرف ميناؤها البحري منذ أقدم العصور كأحد المرافئ الطبيعية التي استخدامها الفينيقيون في الساحل الغربي من ليبيا ابتداء من القرن العاشر قبل الميلاد لمميزاته الطبيعية، وقد لعب دورا فعالا في حركة التبادل التجاري منذ القدم حيث تم إنشاؤه عام 1978 وفقا لخطة مدروسة روعي فيها أحدث أساليب إنشاء المواني بهدف تقديم أفضل الخدمات البحرية بما يساهم بشكل كبير في زيادة حركة التبادل التجاري.
وتعتبر الشركة الليبية للحديد والصلب إحدى أكبر الشركات في مجال الحديد والصلب في شمال أفريقيا، وتم وضع الحجر الأساس للمصنع في 18 سبتمبر 1979، وبدأ الإنتاج في سنة 1989 ليكون الواجهة الرئيسية لهذه الصناعة في ليبيا بالتعاون مع شركات عالمية كبرى من ألمانيا والنمسا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية، وهو اليوم أكبر المصانع في البلاد ويستقطب ما لا يقل عن ستة آلاف عامل
وتعتبر المنطقة الحرة بمصراتة أول منطقة اقتصادية حرة تأسست على الأراضي الليبية وفقاً للقانون رقم (9) لسنة 2000 م بشأن المناطق الحرة وتجارة العبور، وذلك بهدف تنويع مصادر الدخل والرفع من مستوى أداء الاقتصاد المحلي وفتــح فرص العمل والتدريب، من خلال خلق بيئــة استثماريــة جاذبة للأنشطة الاقتصاديــة المتنوعــة وتجــارة العبور عبر التوظيف الأمثل للإمكانيات والموارد المحلية المتاحة والتي على رأسها الموقع الجغرافي المميز والميناء البحري.
ومن أبرز المؤسسات العاملة في هذا القطاع غرفة التجارة والصناعة والزراعة مصراتة التي تأسست سنة 1991م وتضم عددا كبيرا من المنتسبين يزيد عددهم على 30.000 منتسب في جميع التخصصات التجارية والصناعية والخدمية والزراعية، حيث ساهمت هذه الغرفة في تنشيط الحركة الاقتصادية في نطاقها الإداري والذي يشمل (مصراتة- زليتن- بني وليد) وقامت بتنظيم العديد من المعارض المحلية والدولية في مدينة مصراتة وطرابلس، كما نظمت العديد من المشاركات الليبية في تونس و الجزائر وقامت الغرفة بتنظيم المؤتمرات في العديد من المجالات الهندسية منها والطبية والقانونية وفي التحكيم الدولي والتجاري.
والى جانب دورها الإقتصادي والعسكري، فإن لمصراتة اليوم تأثيرها الفاعل في المشهد السياسي وهي التي كانت منذ العام 2011 رمانة الميزان وقلب رحى العملية السياسية حيث سيطرت على أغلب التحركات الميدانية التي عرفها غرب البلاد، بما في ذلك فجر ليبيا في 2014، والتصدي لهجوم قوات الجيش القادمة من الشرق على طرابلس في 2019، وصنعت لنفسها أولوياتها التي تحولت لاحقا الى مركز للقرار الوطني في إطار منظومة العمل من أجل إيجاد الحل المناسب والنهائي للأزمة، ورغم التباينات الحاصلة داخل المؤسسات الفاعلة عسكريا وسياسيا وإجتماعيا، إلا أنها إستطاعت أن تحافظ على توازنات واقعية بما ضمن لها الإستمرار في قيادة عربات القطار الليبي ، إذ أنه ورغم الخلافات الحادة بين قياداتها المنقسمة بين وطنية وحدوية وإقليمية إنفصالية وإنعزالية إخوانية وحزبية براغماتية وإديولوجية راديكالية، إلا أن النسيج الإجتماعي بالمدينة حافظ على تماسكه، وقد إستطاع التيار الوطني التصالحي أن يتقدم دائما بإتجاه تحقيق أهدافه ضمن رؤية تتجاوز ضيق المجال المناطقي الى رحابة الفضاء الوطني، وهوما يعمل على تكريسه حاليا فاعلون أساسيون يتجهون نحو تشكيل ملامح المصالحة الشاملة لطي صفحة الماضي وإستعادة سيادة الدولة القادرة على إحتواء جميع أبنائها بمعزل عن ماضي الصراعات والخلافات الحادة، فمصراتة بموقعها ودورها ومكانها ومكانتها وتاريخها قادرة على أن تكون خيمة التجميع بعد التفريق، والتوحيد بعد التقسيم، والسلام بعد الصدام.