“هبة الحياة” مشروع للتبرع بالأعضاء وزراعتها في ليبيا

طرابلس – في عام 2013 أعلن المليونير البرازيلي تشيكوينيو سكاربا عن نيته دفن سيارته الفارهة “بنتلي” لتذهب معه إلى العالم الآخر… فاهتاجت البرازيل والعالم، واعترض الجميع على الأمر، ووصفوا سكاربا بالجنون.
وفي يوم الدفن، وخلال دقيقة، تحوّل سكاربا إلى بطل. أَوْقَف الدفن، وكَشَف عن خطته في استِغلال الزخم الإعلامي، وتحوِيله إلى حملة “ناجحة” للتبرع بالأعضاء حين قال “اِستَغرَبَ الناس من دفن سيارتي، وهم من يدفنون أعضاءهم البشرية الأغلى ثمنا”.
“في ليبيا لا يُحسن أغلب رجال الأعمال سوى امتصاص دماء البسطاء لا مساعدتهم، ولن نطمع بمثل ما حدث في البرازيل”، هكذا علّق أحد المصابين بالفشل الكلوي عندما سمِع بالقصة.
منذ سنين وهذا الرجل وغيره ينتظرون الحصول على كلية. لا أمنية لهم سوى العودة لحياتهم الطبيعية، دون الحاجة للغسيل الكلوي الذي أنْهَك صحتهم والتَهَم وقتهم وأفرَغَ جيوبهم.
الأطباء الليبيون ينتظرون وصول التجهيزات لاستحداث مقر بنك لدم الحبل السري من أجل استخلاص الخلايا الجذعية
وهذه الحالات ليست فريدة، فهناك أكثر من 6000 مريض فشل كلوي يحتاجون عمليات زراعة في ليبيا (بحسب بيانات رسمية). وهذا الرقم يرتفع باستمرار مع الحالات التي تَفِد يوميا لقسم زراعة الأعضاء بمستشفى طرابلس المركزي من طالبي زراعة الكلى والكبد أيضا.
وفي عام 2003 تم إنشاء البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء بمبادرة من أخصائي جراحة وزراعة الكبد والكِلى الطبيب احتيوش فرج. وفي أغسطس من العام اللاحق أجريت أول عملية زراعة كلية.
وفي سنة 2009 وحدها أجريت 66 عملية زراعة كلية، بنسبة نجاح 97 في المئة، وبمعدل 11 عملية لكل مليون مواطن.
عمليات زراعة الكبد تأخرت قليلا عن ذلك، وأجريت أولاها سنة 2005، ووصلت نسبة النجاح العامة إلى 65 في المئة.
ومع بداية الأحداث الليبية مطلع عام 2011، توقف البرنامج برمته، وتدهورت الأمور بشكل كبير في مراكز غسيل الكلى وأقسام مرضى الكبد. واستطاع الميسورون إجراء عمليات خارج البلاد. والغالبية يلجأون لوزارة الصحة التي تكفلت بعلاج مجموعات لا بأس بها في الخارج أيضا، ولكن القائمة طويلة، والظروف الأمنية والاقتصادية في ليبيا لا ترحم، هذا بالإضافة إلى الفساد المالي المُستشري “والذي وصل حد المتاجرة بأدوية ما بعد الزراعة التي تخصصها الدولة مجانا للزارعين، وأمست تُباع في الصيدليات الخاصة بأغلى الأثمان”، وفقا لرئيس المنظمة الوطنية لدعم التبرع بالأعضاء محمود أبودبوس.
وفي عام 2019 عاد برنامج الزراعة من جديد، تقول إحدى طبيبات زراعة الأعضاء “نتمنى انتهاء معاناة الزارعين مع الأدوية والتحاليل، وهذا لا يعني توقف العمليات وترك المرضى لآلامهم، ونحن مُتحمِّسون لمواكبة التطور الحاصل في المجال”.
وفي عام 2020 تم استحداث الهيئة الوطنية العامة لزراعة الأعضاء والأنسجة والخلايا، بقرار وزاري.
ويقول الطبيب فرج الذي يترأس الهيئة “َنسِير الآن في اتجاهين، الأول أفقي، عبر زيادة معدلات الزراعة التي وصل مجموعها التراكمي مطلع 2022 إلى 480 عملية كِلى و22 عملية كبد. والثاني عمودي، سنحاول من خلاله التوجه مستقبلا نحو زراعة الخلايا والأنسجة”.
ويضيف “نَنتظر وصول التجهيزات لاستحداث مقر بنك لدم الحبل السري من أجل استخلاص الخلايا الجذعية، ولو استطعنا تأسيسه، ووصلنا لنصف مليون عيِّنة سيكون الأمر جيدا. ونِسَب الولادة المرتفعة في ليبيا ستساعدنا”.
ويتابع “المستقبل للخلايا الجذعية، ونتائجها ستكون هائلة في علاج الأورام وأمراض الفشل العضوي. نحن مرغمون على خوض هذه التجربة، فالحاجة للزراعة في تزايد مستمر، وحتى لو وصلنا لمعدل 100 عملية في السنة؛ لن نحقق الكثير، بسبب الحالات العديدة التي تنتظر والأخرى المستحدثة”.

الحل الحقيقي يحتاج لمعدل لا يقل عن 300 عملية زراعة في السنة، وفق رأي الهيئة. وبغض النظر عن صعوبته في الواقع “دون الاستعانة بالعمليات المُكلِفة خارج البلاد”، هناك عثرة أخرى تتوسط الطريق. من أين سيأتي كل هذا العدد من المتبرعين؟
ووفقا لرئيس الهيئة، كل العمليات التي أجروها كان المتبرعون فيها أحياء، وساعد الترابط الاجتماعي في ليبيا على توفير متبرعين، ولكنه لم يقض على نقص الأعضاء، كما أن القانون الليبي لا يجيز التبرع إلا للأقارب من الدرجة الرابعة “على أبعد تقدير”، تفاديا لاحتمال المتاجرة بالأعضاء “المجرّم في ليبيا”.
وفي مطلع 2022 أعلنت الهيئة عن مشروع “هِبة الحياة”، وهي حملة ثقافية توعوية، يُراد بها توجيه المجتمع نحو ثقافة الإيثار والهبة، ودفع الناس نحو التسجيل للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة.
المشروع مقسم على ثلاث سنوات، تُخصص الأولى منها للتبليغ، والثانية للتسجيل، ثم الانطلاق مع الثالثة.
ويقول الطبيب فرج مُعلِقا “خلال هذا العام يجب تعريف الليبيين بمساوئ الفشل العضوي، واستعصاء علاجه إلا من خلال التبرع بالأعضاء. يجب أن يعلموا أن حياتهم لن تتضرر إذا تبرعوا بإحدى الكليتين أو جزء من الكبد وهم أحياء، والأهم أن يفكروا في أن أعضاءهم الثمينة ستضيع بعد الوفاة، وأن بإمكانهم استغلالها والتبرع بها لتحقيق أعظم صدقة جارية، تُنقِذ البشر، وتعيدهم أصحاء لذويهم، فاعلين في مجتمعهم. ولو استطعنا إيصال هذه الرسالة؛ سنضع قدما في أول الطريق”.
ومن أجل تفويت الفرصة على من يدّعون تحريم التبرع بالأعضاء؛ تحصّلت الهيئة على فتاوى تجيز التبرع، كما أن القوانين الليبية كانت سبّاقة عربيا في هذا الشأن، من خلال القانون رقم 4 لسنة 1984 الذي يجيز تشريح الجثث والاستفادة من أعضاء الموتى.
ومع أنه ظل حبيس الأدراج لسنين، إلا أن لائحته التنفيذية أعادته للنور عند إقرارها عام 2007.
وقال الطبيب فرج عن أول ما سيقوم به لو نجحوا في زراعة أعضاء من متوفين “سأكتب على باب غرفة العمليات ‘الموتى يحيون المرضى’”.






