هل تتحول الصحراء الشاسعة مع ليبيا بؤرة للإرهاب في مصر

هل تتحول الصحراء الشاسعة مع ليبيا بؤرة للإرهاب في مصر

أحمد جمال
صحافي مصري

يعزز تمركز عناصر تابعة لتنظيمات إرهابية داخل الأراضي الليبية القريبة من مصر عبورها الحدود الصحراوية الشاسعة بين الدولتين، حيث زادت المعلومات الواردة حول نشاط تهريب الأسلحة وتنامي العمليات الإرهابية في دول أفريقية مجاورة، ومع استمرار الصراع السياسي والعسكري في ليبيا تبدو البيئة خصبة لتجميع قوى متطرفة تريد التمدد من جديد بعد انكماشها خلال السنوات الماضية.

وأعلنت أجهزة الأمن الليبية ضبط عدد من الأسلحة النوعية في المنطقة الجنوبية قبل تهريبها إلى مصر عبر واحة الجغبوب التابعة لإقليم طبرق، وذلك في الجبهة الجنوبية الشرقية القريبة من الحدود الغربية لمصر.

وبثت الأجهزة الأمنية الليبية مقاطع مصورة أظهرت كميات كبيرة من الأسلحة والمضبوطات، وصفها مدير أمن طبرق العميد سامي إدريس بأنها “أسلحة نوعية وخطيرة”، وتحوي معدات لم تعتد التنظيمات الإرهابية استخدامها، وتم رصد تحركات غير مألوفة بالمنطقة قبل ضبط أسلحة مخبأة في الصحراء تمهيدا لتهريبها.

أحمد كامل بحيري: مصر معرضة للاختراق الإرهابي من حدودها مع ليبيا
أحمد كامل بحيري: مصر معرضة للاختراق الإرهابي من حدودها مع ليبيا

وتزامنت عملية التهريب الأخيرة مع إصدار التقرير الحادي والثلاثين لفريق الدعم والتحليل المعني بتنظيمي القاعدة وداعش ويتبع مجلس الأمن الدولي، في منتصف الشهر الجاري، وسلط الضوء على  مساعي فرع القاعدة بليبيا للبقاء داخل البلاد عن طريق إنشاء علاقات نسب ومصاهرة مع قبائل ليبية ويركز وجوده على الجنوب، خاصة بلدتي أوباري وغات اللتين يجمع فيهما فرع القاعدة الليبي مقاتليه لدعم تمدده.

وكشفت مصادر أمنية لـ”العرب” أن انتشار القاعدة يتركز في عمق الجنوب الليبي بعيداً عن الحدود مع مصر حتى الآن، لكن ذلك لا يمحو الخطر حال تمكن من استجماع قواه واتجه صوب الحدود.

وتستهدف عمليات تجميع الأسلحة في هذه المناطق نقلها إلى مناطق أخرى وصولاً إلى الحدود المصرية عبر واحة الجغبوب الليبية لنقلها إلى واحة سيوة المصرية ثم التمدد في العمق المصري، أو توجيهها إلى الحدود الجنوبية الليبية وصولاً إلى دول تشاد والنيجر ونيجيريا.

وأضاف المصدر ذاته أن المراقبة الجوية للحدود لا تنتظر تدخلات عناصر حرس الحدود من خلال الاشتباكات البرية وتتدخل بشكل استباقي لوقف عمليات التهريب، وأن طرق التهريب التقليدية عبر مناطق سيدي براني (أقصى غرب محافظة مرسى مطروح على الحدود مع ليبيا) لم تعد تشكل خطراً، وتحاول العناصر المتواجدة في الشرق الليبي استحداث نقاط جديدة للتغلغل عبر واحة الجغبوب.

وتمتد الحدود المصرية – الليبية أكثر من ألف كيلومتر، ومنذ عام 2013 أعلن الجيش المصري عن كشف عمليات عدة، وتمكن من تأمين الحدود، وأسفر ذلك عن إحباط تهريب أسلحة وبضائع بفعل زيادة التنسيق الأمني المصري مع قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، واستحداث أسلحة مراقبة للحدود أسهمت بقدر كبير في الحد من عمليات التهريب.

رضا يعقوب: ضعف التنسيق يسمح للجماعات بتعزيز قدراتها
رضا يعقوب: ضعف التنسيق يسمح للجماعات بتعزيز قدراتها

وقال الباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية أحمد كامل بحيري إن الخط الحدودي بين مصر وليبيا شهد حالة من الاستقرار مع زيادة قدرات الأجهزة الأمنية المصرية، والمساهمة في تأمين العمق الليبي عبر التنسيق الاستخباراتي مع قوات الجيش الوطني الليبي، وهو ما ظهرت آثاره في عمليات القضاء على تنظيمات القاعدة وأنصار الشريعة ومجلس شورى المجاهدين وتنظيم داعش في درنة الليبية (شمال شرق ليبيا).

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الجنوب الليبي يظل منطقة رخوة تنتشر فيها التنظيمات الإرهابية، تحديدا عناصر القاعدة ونصرة الإسلام والمسلمين وجماعات الجريمة المنظمة، وهؤلاء لديهم صلات مع تنظيمات منتشرة في الساحل الأفريقي ومجموعات داعشية في الكفرة (جنوب شرق ليبيا) والفقهاء (وسط ليبيا).

وأشار إلى أن الداخل المصري سيظل معرضا لأي اختراق إرهابي مهما كانت القدرات التأمينية عالية طالما استمر وجود هذه المجموعات في ليبيا، وما يدعم ذلك أن عناصر تابعة لتنظيمي القاعدة وداعش كانت الأكثر نشاطاً في أفريقيا خلال العام الماضي.

ومن المتوقع أن يأخذ النشاط في التصاعد هذا العام، وما يقلل من هذا الخطر أن الشرق الليبي القريب من الحدود المصرية الغربية بات أكثر استقراراً مؤخرا مقارنة بما كانت عليه الأوضاع في العام 2021.

وهناك مخاوف من إعادة انتشار التنظيمات الإرهابية في الغرب مع تركز المشروعات التنموية التي تنفذها مصر في سيناء شرقا، وتحظى باهتمام في الوقت الحالي، كأحد أسلحة مكافحة الإرهاب، في حين أن الصحاري الغربية الشاسعة سوف يكون من الصعب اتخاذ نفس الخطط التنموية بشأنها.

وألمح مسؤولون كبار في مصر إلى قرب الإعلان رسميا عن خلو الدولة من الإرهاب، وأن سيناء أصبحت بعيدة عنه بعد أن قضت أجهزة الأمن عليه، وسيتم تنظيم احتفالية في مدينتي رفح والشيخ زويد شمال شرق سيناء، بمناسبة القضاء على الإرهاب.

النجاح الذي حققته الأجهزة الأمنية بقطع سبل الربط بين عناصر داعش في الشرق والمجموعات المسلحة غربًا يشكل سببًا لإنهاء خطر الإرهاب
النجاح الذي حققته الأجهزة الأمنية بقطع سبل الربط بين عناصر داعش في الشرق والمجموعات المسلحة غربًا يشكل سببًا لإنهاء خطر الإرهاب

وسلط تقرير فريق الدعم التحليلي بمجلس الأمن الدولي الضوء على تراجع النشاط الإرهابي وفقدان داعش – سيناء قدرته على الفعل، وأرجع ذلك إلى تنفيذ مصر برامج استثمار وتنمية واهتمامها بإنشاء بنية تحتية، ما أدى إلى حرمان داعش من بيئة مواتية.

ويشكل النجاح الذي حققته الأجهزة الأمنية، بقطع سبل الربط بين عناصر داعش في الشرق والمجموعات المسلحة التي انتشرت غربًا على الحدود الليبية، سببًا مباشرا لإنهاء خطر الإرهاب. لكن في الوقت ذاته فإن إستراتيجيات التنظيمات الإرهابية، التي تعتاد الكمون كلما واجهت ضربات متلاحقة وتراجع التمويل، تفرض عليها التفكير في العودة والتمدد مرة أخرى عندما تسنح الفرصة.

ولفت خبير مكافحة الإرهاب الدولي اللواء رضا يعقوب إلى أن الإرهاب في مصر يتسم بأنه “حدودي صحراوي”، وهو ما يجعله يجيد التحرك في المساحات الشاسعة التي تتسم بصعوبة المواجهة، ما يتطلب المزيد من التنسيق الاستخباراتي بين مصر وليبيا وغيرهما من الدول التي لديها خرائط تحركات هذه العناصر.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على “أن ضعف التعاون والتنسيق الأمني قد يسمح لهذه الجماعات بإعادة بناء قدراتها العسكرية، وأن وجود حكومتين متنازعتين في طرابلس وبنغازي يفتح الباب لعودتها كبؤرة انطلاق لعناصر إرهابية نحو مصر”.

وأوضح أن عمليات تحديث أسلحة التأمين المصرية تقلل الخطر الوارد من ليبيا في الوقت الراهن، لكن ما يشكل عامل قلق حقيقي هو استمرار تمويل هذه العناصر من مصادر مختلفة، وإذا كان ذلك قد أصبح بسيطا مقارنة بما كان يحدث في السابق، فإن عمليات التهريب قد تأتي في سياق حصولها على دعم يمكّنها من البقاء، مع تلقيها إشارات من بعض الدول بأنها مازالت تعول عليها وتنتظر الفرصة السانحة لإعادة إمدادها بالمال والسلاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *